و ٦١٨م والحملة الفارسية التي أدت إلى احتلال بلاد الشام ومصر، والحملات السلافية في البلقان، والسلب الذي رافقها؛ كل هذا أظهر للعيان الوضع المنذر بالخطر على كيان الإمبراطورية التي استطاعت أن تتحمله، ولكن على وهن، والذي لم يتح لهرقل فرصة للراحة بعد أن أطاح بالإمبراطور فوقاس، وأعدمه في عام ٦١٠م، فقد واجه ثورة قام بها كومنتيولوس أخو فوقاس في شهر تشرين الأول عام ٦١٠م، وقد أتاحت هذه الأوضاع القلقة للفرس أن يقوموا باختراقات على الجبهة الشرقية في عام ٦١١م، فقد أرسل كسرى الثاني أبروزي ثلاث حملات عسكرية لغزو بلاد الروم، والشام ومصر:
الأولى: بقيادة رميوزان، توجهت إلى بلاد الشام، فاستولت على أنطاكية في عام ٦١١م، وعلى دمشق في العام التالي، أما في الجنوب، فقد سقطت بين المقدس في يدها في عام ٦١٤م، فأحرقتها واستولت على الصليب المقدس من كنيسة القيامة ونقلته إلى المدائن، وساقت بطريركها زكريا وقسيسيها، ومن بها من النصارى أسرى، ونقلتهم إلى العاصمة، والواقع أن ما ساد بلاد الشام، وفلسطين من النزاع الديني مع بيزنطية، بشر على الفرس الاستيلاء على البلاد.
الثانية: بقيادة شهربراز، توغلت في أراضي آسيا الصغرى، وبلغت البوسفور، وعسكرت فرقها العسكرية في خلقدونية القريبة من القسطنطينية، وذلك في عام ٦١٧م.
الثالثة: بقيادة شاهين، توجهت إلى مصر والنوبة، فاستولت على بيلوز في عام ٦١٧م، وعلى الإسكندرية في العام التالي، فترتب على ذلك انقطاع القمح عن العاصمة القسطنطينية ما أسهم في تدهور الأوضاع الاقتصادية، وأضحى الفرس يسيطرون على معظم أجزاء الشرق الأدنى١.
أخل هذا الانتشار الواسع للقوات الفارسية بموازين القوى، وتبين أن البيزنطيين أخطأوا تقدير الموقف العسكري، وكن ذلك عاملًا على بعث الهمم داخل بيزنطية، فظهر زعيم قادر على مواجهة الموقف العصيب تمثل بهرقل، وإذ أدرك هذا الإمبراطور مدى فداحة خسارة بلاد الشام ومصر، وحرمان الإمبراطورية من دعائمها الروحية، والاقتصادية والحضارية؛ نهض لمحاربة الفرس واستعادة البلدان التي احتلها هؤلاء، وذلك في عام ٦٢٢م، بعد أن أجرى إصلاحات عسكرية، واقتصادية كفلت له تقوية موقفه.