فقد نجح البيزنطيون في حل المشكلة العربية على حدودهم الجنوبية حلًا جذريًا، بنظام الأحلاف التي عقدوها مع القبائل الضاربة على مشارف بلاد الشام، لحراسة هذه البلاد من هجمات قد تنطلق من الجزيرة العربية، وقامت القبائل المعنية بدور ناجح، واقتصرت مهمة الفرق البيزنطية النظامية المتواجدة في قواعد ثابتة، ومتفرقة على الإشراف على تنقلات القبائل، ومساعدتها في التصدي لغزوات البدو عند الحاجة، ونسي البيزنطيون بعد ذلك، عرب الجزيرة، وأنهم قد يشكلون خطرًا عليهم في المستقبل.
والحقيقة أن الإمبراطور البيزنطي هرقل لم يدرك مدى خطورة الوضع على جبهته الجنوبية بعد تنامي قوة المسلمين حتى رأى نفسه يواجه، فجأة، زحفهم باتجاه بلاد الشام، ولم تنفع تدابيره التي اتخذها على عجل في وقفهم، حيث كان من الصعب تجريد الحدود مع فارس في الشرق والصقالبة، والآقار في الغرب، المعرضة للخطر، من الجنود، ونقلهم للدفاع عن بلاد الشام في ظل محدودية نقلهم، واختيار مواقعهم، وكانت أي محاولة لتدريب السكان المدنيين في هذه البلاد وتسليحهم، قضية معقدة وبطيئة، ولا يمكنها أن تواجه التهديدات الخارجية المفاجئة والعنيفة، ويعد المدى الذي يمكن للقوات النظامية أن تتكيف فيه مع الأوضاع الطبيعية والمناخية، قضية أخرى، ورأى هرقل أن أفضل وسيلة للدفاع عن بلاد الشام في القرن السابع تكمن في:
- تجنيد البدو العرب المقيمين على أطراف الإمبراطورية، وبخاصة أنهم يتمتعون بصفة إضافية هي معرفة طبيعة الأرض، ومناخها بالإضافة إلى أساليب القتال. وتبنى النظرية القائلة إن خير وسيلة لقتال العرب هي استخدام عرب آخرين إزائهم، لذلك كان من الضروري لبيزنطية أن تحتفظ بصداقة بعض القبائل، وتنويع صلاتها بالعرب.
- تجنيد الأرمن، والمعروف أن عدد الجيش البيزنطي النظامي في بلاد الشام لم يكن كبير الحجم، ولا يمكن للإدارة العسكرية البيزنطية توفير أكثر من عشرين ألف
= العقيدة الخاصة بطبيعتي المسيح واتحادهما، إلى سريان أو يعاقبة وملكية أو روم، ويشير المؤرخون إلى أن المذهب اللاخلقدوني "اليعقوبي" انتشر بين القبائل العربية مثل أياد وربيعة وقضاعة، أما القائلون بالمذهب الخلقدوني "الملكية"، فكانوا بمعظمهم يعيشون في المدن التي اصطبغت بالثقافة الهلينية، مثل أنطاكية وسلوقية، واللاذقية وبعلبك، وبيروت وقيصرية وفلسطين، وبيت المقدس، ولا بد من الإشارة إلى أن نسبة عالية من اليعاقبة كانت مستاءة من الحكم المركزي.