للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- فك تحالفها مع الدولة البيزنطية.

- السيطرة على طريق التجارة، إذ١ إن مضاربها تعد بمثابة معاير هامة للتجارة بين بلاد الشام، وأنحاء الجزيرة العربية في الوقت الذي وصلت فيه تجارة القوافل إلى ذروة النشاط، والاستقرار.

وأخذ النبي يراقب الوضع في تلك المناطق من خلال السرايا المبكرة التي كان يرسلها، والرسائل الموجهة إلى الإمبراطور البيزنطي هرقل، والأمير الغساني شرحبيل بن عمرو، وصاحب بصرى١، وسائر رؤساء القبائل العربية.

وبتنامي القوة الإسلامية، شعرت القبائل الموالية لبيزنطية في جنوبي بلاد الشام، بحدوث تغيير ديني وسياسي في الحجاز، على مقربة منها، تمحض عن قيام حكومة مركزية قوية في المدينة, ودخلت في طاعتها معظم قبائل الجزيرة العربية، وراحت تتطلع نحو الشمال، ورأت في هذا التطور خطرًا يهدد كيانها الديني والسياسي، لذلك وثقت علاقاتها ببيزنطية.

ورأى هرقل في هذا التنامي تدخلًا في شئونه، واختراقًا لسيادته بعد انتصاره الكبير على الفرس، ومع ذلك فقد عده مجرد اندفاع قبلي، أو محاولة إمارة عربية ناشئة توسيع رقعتها الجغرافية، من ذلك النوع الذي اعتاد بدو الصحراء أن يشنوه بين وقت، وآخر على أطراف الدولة، ولا تلبث أن تتوقف تلقائيًا عندما يتصدى لها حراس الحدود من فرق الجيش الإمبراطوري، أو القبائل الموالية لبيزنطية التي تعيش على تخوم بلاد الشام.

دفعت التطورات في الحجاز القبائل القاطنة في دومة الجندل٢ إلى القيام بتحرك سريع، وتزعم أكيدر بن عبد الملك الكندي النصراني تحالفًا قبليًا راح يتهيأ للزحف نحو المدينة، ولما علم النبي بتلك الاستعدادت خرج من المدينة على وجه السرعة في شهر "ربيع الأول ٥هـ/ آب ٦٢٦م"، وتوجه نحو دومة الجندل مستبقًا قوى التحالف، ولما وصل إليها لم يجد من يصطدم به، ويبدو أن أكيدر تهيب الموقف، فانسحب باتجاه الشمال، واستغل النبي وجوده في تلك المنطقة، فقام بعمليات استطلاعية٣.

تعد هذه الغزوة الحلقة الأولى في سلسلة الصراع العسكري بين المسلمين، والقبائل الضاربة على تخوم بلاد الشام بخاصة، وبين المسلمين والبيزنطيين بعامة،


١ بصري: قصبة كورة حوران، وهي من أعمال دمشق، الحموي: ج١ ص٤٤١.
٢ دومة الجندل: حصن بين الشام والمدينة على سبع مراحل من دمشق. الحموي: ج٢ ص٤٨٧.
٣ الطبري: ج٢ ص٥٦٤.

<<  <   >  >>