للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البيزنطيون بمدى قوتهم، فخشوا أن ينضموا إلى الفرس، فاستقطبوهم، وأحلوهم محل السليحيين، وعقدوا معهم حلفًا دفاعيًا هجوميًا موجهًا ضد غارات البدو، وهجمات اللخميين، وقام الغساسنة بتنفيذ الدور الذي حددته لهم بيزنطية على الرغم من أن الطرفين كانا على خلاف مذهبي، إلا أن ذلك لم يؤثر على العلاقة السياسية بينهما، وتمتع أمراء الغساسنة بلقب فيلارك١ الذي أضفاه عليهم الأباطرة البيزنطيون.

شكل الغساسنة عماد التجمع القبلي اللخمي، والجذامي المعادي للمسلمين في غزوة تبوك، وقد رفض الحارث بن أبي شمر الغساني دعوة النبي إلى اعتناق الإسلام، واستمر في تحالفه مع البيزنطيين، والراجح أنه كان يخشى خطر التمدد الإسلامي باتجاه الشمال على وضع القبيلة الديني، والسياسي، وعلاقتها ببيزنطية.

وسكنت بعض جماعات من الغساسنة في الجنوب، في تيماء والمدينة، وقد تأثروا بالدعوة الإسلامية، وربما كان الوفد الغساني الذي قدم إلى المدينة في العام العاشر للهجرة ليبايع النبي هو من هذه الجماعات٢.

ووجدت قبائل أخرى في بلاد الشام، لكنها لم تكن على قدر من القوة، والمنعة والأهمية حتى تعيرها المصادر اهتمامًا، مثل تنوخ، وقد نزلت في أواسط بلاد الشام، وشمالها على تخوم البادية الممتدة شمالًا حتى قنسرين وحلب، وقد ساند التنوخيون البيزنطيين في معركة مؤتة، وسكنت بهراء في أواسط، وشرق بادية الشام، وامتدت ديارها حتى نهر الفرات، والراجح أنها كانت موالية لبيزنطية، وأن فئة من رجالها ديارها إلى جانب البيزنطيين في معركة مؤتة.

وفيما يتعلق بالنقطة الثانية، فقد اتخذت بلاد الشام منذ العام السادس للهجرة حيزًا بارزًا في سياسة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الخارجية، بعد أن حسم الوضع السياسي الداخلي في الحجاز لصالحه إثر صلح الحديبية٣، وكان اهتمامه بتلك البلاد كهدف حيوي:

- بوصفها أرضًا عربية مثل الحجاز.

- إقامة مراكز إسلامية على الأطراف الشامية لنشر الدعوة بين القبائل العربية الوثنية منها والمتنصرة، واحتوائها تحت راية الدولة الإسلامية في المدينة، أو عقد صلح معها لتمتين النفوذ الإسلامي في تلك الربوع.


١ فيلارك: معناها ملك.
٢ الطبري: ج٣ ص١٣٠.
٣ تم صلح الحديبية في أواخر السنة السادسة للهجرة بين النبي وقريش، انظر ابن هشام ج٤ ص٢٤- ٢٩.

<<  <   >  >>