للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخرجت سرية في شهر "شعبان ٦هـ/ كانون الثاني ٦٢٨م"، بقيادة عبد الرحمن بن عوف باتجاه دومة الجندل لقتال قبيلة كلب النصرانية، وقد شغلت حيزًا هامًا في سياسة النبي الشامية، فقد طلب من قائدها أن يتزوج ابنة زعيم القبيلة إن استجاب هو، وقومه إلى دعوة الإسلام، وذلك بهدف استقطابهم، وتعزيزًا للعلاقات بين الطرفين، ويوضح هذا الأهمية التي يعلقها النبي على كسب قبيلة كلب إلى جانبه، فقد كانت هذه القبيلة أهم مجموعة عربية في بلاد الشام حين ظهر الإسلام كقوة سياسية, نجح عبد الرحمن في مهمته، واعتنق الإصبغ بن عمرو الكلبي الإسلام، وتبعه أكثر قومه، وتزوج من ابنته١.

تكمن أهمية هذه السرية، في الدلالة على سياسية النبي التوسعية في اتجاه بلاد الشام، نظرًا لما تمثله دومة الجندل من موقع حيوي في التجارة مع هذه البلاد لا ينافسها فيه سوى بصرى٢، ويذكر بأن هذا الموقع لفت نظر النبي من قبل، فقام بغزوه في مطلع السنة الخامسة للهجرة.

وتميزت السرية المعروفة بأم قرفة بدوافعها الاقتصادية الواضحة، فقد خرج زيد بن حارثة في شهر "رمضان ٦هـ/ كانون الثاني ٦٢٨م" في تجارة إلى بلاد الشام، فتعرض لاعتداء من قبل جماعة من فزارة في مكان قريب من وادي القرى، وعاد إلى المدينة، بيد أنه عاد مجددًا إلى استئناف مهمته بعد إصرار النبي، ونزل في المكان نفسه، واصطدم مع الجماعة التي اعترضه، فقتل وأسر وعاد إلى المدينة٣، ويعد هذا الاختراق لقبيلة كبيرة كفزارة ما تزال غير مكترثة حتى ذلك الحين، بالقوة الإسلامية النامية في المدينة، عملًا ناجحًا كان له وقعه الحسن بين المسلمين! ٤.

الواضح أن النبي لم يتمكن في العام السادس الهجري من حسم الوضع لصالحه على الحدود الشمالية للحجاز، وهذا ما دفعه إلى استئناف حملاته، وأتاح له صلح الحديبية، التحول نحو هدفه الخارجي، وهو مطئمن على وضعه الداخلي. ومن جهة أخرى شهدت الجبهة القبلية -البيزنطية بعض الارتباك؛ إذ تزعزعت ثقة القبائل العربية ببيزنطية، بفعل محاولتها تغيير المعادلة في العلاقات الثنائية من واقع فرض سيطرتها المباشرة عليها، وتخفيف مساعداتها المالية لها، مما أسهم في تراجع الروح المعنوية لدى القبائل التي نشأت على الاستقلال، ورفض التدخل الخارجي في


١ طبقات ابن سعد: ج٢ ص٦٤، ٦٥.
٢ بيضون: ص٨٨.
٣ طبقات ابن سعد: ج٢ ص٩٠، ٩١.
٤ بيضون: ص٨٧، ٨٨.

<<  <   >  >>