للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكرار إن شاء الله تعالى"،١ أما من الجانب البيزنطي، فقد كانت جزءًا من عملية استطلاع تنظيمي لمناطق خلت من عمليات عسكرية مدة عقدين، كان البيزنطيون خلالها يحاولون تثبيت سلطتهم في مناطق تخلي عنها الفرس على امتداد التخوم الجنوبية لبلاد الشام، معتمدين على مساعدة القبائل العربية المتحالفة معهم، وكان تيودور هو الذي أقنعه بإرسال وحدات قتالية إلى هناك كإجراء احترازي، إزواء تهديد المسلمين الوشيك.

وتشير الروايات الواردة عن معركة مؤتة إلى أن البيزنطيين استعادوا نوعًا من السلطة في تلك المناطق البعيدة نسبيًا الواقعة شرقي نهر الأردن من أجل:

- المحافظة على جناح فلسطين.

- الاستجابة لمطالب السكان المحليين للحماية.

- عودة الإمبراطورية إلى الحدود السابقة.

- حماية الحجاج النصارى إلى بيت المقدس، وإلى جبل نبو، وهو المكان الوحيد الذي يقصده الحجاج في شرقي نهر الأردن.

- تأمين طرق التجارة مع البدو، وسكان سواحل البحر الأحمر، بفعل تذمر التجار الذين كانوا يتأذون من انعدام الأمن.

مما أثار النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ودفعه إلى اتخاذ قرار بإرسال حملة إلى تبوك في شمالي الحجاز، وواحة دومة الجندل.

وهكذا فإن حتمية مواجهة الخطر الذي فرضته التعبئة البيزنطية الواسعة في البلقاء، كانت أبرز دوافع هذا التحرك الإسلامي المضاد، تفاديًا لإثارة المشكلات الداخلية في الجزيرة العربية، وحفاظًا على انتصارات المسلمين في الداخل، وشمولية الدعوة الإسلامية.

وفي غمرة هذه التحولات، أرسل النبي حملة أخرى إلى بلاد الشام بقيادة عمرو بن العاص بعد نحو شهر، عندما بلغه أن حشودًا من بلي، وقضاعة وعاملة وكلب وغسان، ولخم وجذام تجمعت بهدف غزو المدنية، وهي التي عرفت بغزوة ذات السلاسل، وقد بلغ عديدها ثلاثمائة مقاتل، وبفعل الحشود القبلية الضخمة التي صادفها عمرو، طلب نجدة عاجلة من المدينة، فأمده النبي بمائتي مقاتل بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وبعد عدة اصطدامات مع جماعات قبلية عادت الحملة إلى المدينة٢.


١ ابن هشام: ج٤ ص٧٤.
٢ المصدر نفسه: ص٢٣٩، وذات السلاسل وراء وادي القرى بينها، وبين المدينة عشرة أيام.

<<  <   >  >>