للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غطت هذه الحملة بنتائجها الإيجابية، والمتمثلة بفرض الوجود

الإسلامي بعد الانتشار الواسع للمسلمين في هذه المناطق، وتهديد بلاد الشام، وإن يشكل غير مباشر؛ النتائج السلبية لغزوة مؤتة، وأعادت الثقة إلى نفوس المسلمين في المدينة.

ووصلت إلى مسامع النبي، بعد عودته إلى المدينة في "أواخر ٨هـ/ أوائل ٦٣٠م"، في أعقاب فتح مكة وانتصاره في حنين؛ أنباء عن حشود بيزنطية -عربية مشتركة بهدف القيام بهجوم على المدينة، والقضاء على الدولة الإسلامية الناشئة، قبل أن يشتد ساعدها، وتشكل خطرًا جديًا على الوجود البيزنطي في بلاد الشام؛ فقرر التصدي لها، فخرج من المدينة في شهر "رجب ٩هـ/ تشرين الأول ٦٣٠م" على رأس جيش يقدر بثلاثين ألف مقاتل، ووصل إلى تبوك، وهي إحدى المحطات التجارية على الطريق التجارية بين وادي القرى، وبلاد الشام١.

ويبدو أن قوى التحالف تهيبت الموقف، فآثرت الانسحاب باتجاه الشمال، مستهدفة في الوقت نفسه جر القوات الإسلامية إلى عمق الأراضي الشامية، والانقضاض عليها هناك، لكن النبي لم يتح للمتحالفين تحقيق هدفهم، وعسكر في تبوك جاعلًا إياها آخر نقطة في توغله شمالًا.

وراح النبي يتصل بزعماء القبائل النصرانية المنتشرة في المنطقة في محاولة لاستقطابهم، وفك تحالفهم مع بيزنطية، وفعلًا وفدت عليه وفود القبائل المجاورة، وصالحته على الجزية نذكر منهم يوحنا بن رؤبة صاحب أيلة٢، ووفود من جرباء٣ وأذرح ومقنًا٤، وأرسل خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك أمير دومة الجندل، فقاتله وأسره وقدم به إلى المدينة، فعفا عنه النبي وصالحه على الجزية٥.

الواقع أن النبي حقق بحركته الصعبة تلك، انتصارًا على الجبهة الشمالية، فقد استقطب عددًا من القبائل العربية القاطنة في جنوبي بلاد الشام، وربطها بالدولة الإسلامية التي أظهرت تفوقًا أمامها، وامتد نفوذ هذه الدولة إلى عمق المناطق التي كان سكانها يعملون لصالح البيزنطيين، ويؤدون دورًا خطيرًا في مقاومة امتداد الإسلام


١ ابن هشام: ج٤ ص١٧٣- ١٧٧.
٢ أيلة: مدينة على ساحل بحر القلزم "الأحمر" مما يلي الشام، وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام، الحموي: ج١ ص٢٩٢.
٣ جرباء: موضع من أعمال عمان بالبلقاء من أرض الشام قرب جبال السراة من ناحية الحجاز، المصدر نفسه: ج٢ ص١١٨.
٤ مقنًا: تقع قرب أيلة، الحموي: ج٥ ص١٧٨.
٥ الواقدي: ج٣ ص١٠٢٥- ١٠٢٨.

<<  <   >  >>