للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السرقة، وابتزاز الأموال، وأدى ذلك إلى الفقر والخراب، وأثار الاضطرابات الداخلية، وفقدان الأمن.

وما حدث في الإمبراطورية بعد ذلك، من مشكلات اجتماعية، وتراجع الزراعة بفعل الحروب المستمرة في الخارج، والثورات الداخلية، دفع بالإمبراطور جستنيان إلى حل المشكلات المالية من خلال إصلاح النظام الضريبي، ففرض على رعاياه أن يدفعوا كل ما للحكومة من ضرائب، وأمر بمسح الأرض، وقسمها إلى وحدات متساوية في قيمة الإنتاج بغض النظر عن مساحتها، تدفع كل وحدة منها ضريبة ثابتة، ثم أحصى السكان في القرى، وفرض عليهم ضريبة الرأس، وتحددت قيمة الضريبة في بلاد الشام على الذكور من ١٤ إلى ٦٥ عامًا، وعلى الإناث من ١٢ إلى ٦٥ عامًا١.

وحصل الملاكون الكبار على حق جباية الضرائب المستحقة على ضياعهم، ودفعها إلى الخزينة المركزية مباشرة مما جعل سلطة الجباة عليهم منعدمة، وكلف المجلس البلدي في كل قرية بجمع الضرائب من القرى التابعة للمدينة وتوزيعها، ولقد ساهم سكان القرية في دفع الضرائب.

نتج عن هذا النظام، أن تحمل الفلاحون، والمزارعون العبء الأكبر من الضريبة، وربطوا هم، وأسرهم بالأرض التي سجلوا عليها، وذلك بهدف تيسير جمع الضرائب، ولضمان زراعة الأرض، كما أن سوء الجباية وتعسف الجباة دفع صغار الملاكين إلى طلب حماية كبار الملاكين؛ ليتولوا مسئولية دفع الضرائب عنهم مقابلت نازلهم لهم عن أملاكهم، فأصبحوا بذلك مزارعين مرتبطين بالأرض، وعمد الملاكون الكبار من جهتهم إلى مضايقة الملاكين الصغار، ودفعهم إلى طلب حمايتهم بهدف توسيع ملكياتهم، ومع أن السلطات الإمبراطورية لم تكن تشجع الحماية، وحاولت الحد منها، إلا أنها اعترفت بها في أوائل القرن الخامس الميلادي، كأمر واقع وكحل لمشكلة الضائقة الاقتصادية٢.

ومن الأمثلة التي يسوقها المؤرخون المتعلقة بالظلم الاجتماعي في بلاد الشام المرتبط أساسًا بالنظام المالي، أن أبا عبيدة بن الجراح استعمل حبيبًا بن مسلمة على خراج حمص بعد أن فتحها المسلمون بموجب الصلح الذي عقد بين الطرفين، وكان من أهم بنوده أن منح الأمان لأهل المدينة مقابل "سبعين ألف دينار عاجلة، وعلى أداء الجزية عن كل محتلم في كل سنة أربعة دنانير"٣.


١ الدوري: ص٤٥٨.
٢ المرجع نفسه: ص٤٥٨، ٤٥٩.
٣ البلاذري: ص١٣٦، ابن أعثم: ج١ ص١٧١.

<<  <   >  >>