للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بما يلزم اعتمادًا على سهم "سبيل الله" من الزكاة التي تؤديها قبائل الجزيرة العربية، بالإضافة إلى ما يؤمنه الجيش من واقع ما يشنه من غارات على نواحي العراق بين كسكر والأنبار١.

أقام سعد مدة شهر في القادسية، وعلم خلال ذلك، من أهل الحيرة، أن يزدجرد عين رستم قائدًا لجيش فارس، وأمره بمحاربة المسلمين، والواقع أن القائد الفارسي كان له رأي آخر، إذ فضل أن يبقى في المدائن، وعرض على الإمبراطور الفارسي رأيه في عدم التسرع بالحرب، واقترح إرسال الجالينوس٢.

أتاح هذا التردد في الزحف للمسلمين القيام بغارات على قوى السواد، كانت شديدة أحيانًا، وذلك بهدف تامين مواد التموين من جهة، وشن حرب استنزاف على الفرس من جهة أخرى، آتت هذه الغارات أكلها، فأثر ضغطها المادي والنفسي على السكان والدهاقنة، فكثرت استغاثتهم بيزدجرد، وهددوا بالاستسلام للمسلمين إذا لم ينجدهم الملك على وجه السرعة٣.

قطع هذا التهديد كل تردد، فأمر يزدجرد رستم بالخروج فورًا من المدائن لمحاربة المسلمين، فسار إلى ساباط على طريق الحيرة وعسكر فيها، ومكث أربعة أشهر بتثاقل عن الخروج منها يتنازعه الإحجام عن القتال خشية الخسارة، والاندفاع لخوض معركة سافرة مع المسلمين يقضي عليهم، ويطردهم من العراق، إذ لم يكن تقدير الموقف العسكري المائل لصالح هؤلاء غائبًا عن ذهنه، على الرغم من الاستعدادات الفارسية الضخمة، ومن المستبعد أن يكون قد رجح النصر في الوقت الذي قدر فيه الخسارة، أو لعله تمهل ظنًا منه أن يهن المسلمون إذا لم يجدوا مؤونة تكفيهم، أو يسأموا طول المقام، فينصرفوا إلى بلادهم، وأخيرًا وصل إلى القادسية، وعسكر فيها في مقابل المسلمين٤.

كان الموقف خطيرًا، حيث بدأ رستم يجتاح الإقليم بقواته الضخمة البالغة مائة وعشرين ألف مقاتل نصفهم من الفرسان الدارعين، معززين بالفيلة٥، والأدوات الحربية المتطورة قياسًا إلى الأسلحة التي كانت بحوزة المسلمين، فالتفوق كان ملحوظًا، نظريًا، لمصلحة الفرس، إلا أنهم لم يكن باستطاعتهم الارتقاء إلى مستوى القضية، وهي السلاح الأقوى لدى المسلمين، فقد بلغ النظام الساساني آنذاك حدًا


١ الطبري: ج٣: ص٤٩٥.
٢ المصدر نفسه: ص٥٠٤، ٥٠٥.
٣ المصدر نفسه: ٥٠٣.
٤ المصدر نفسه: ٥١٠.
٥ المصدر نفسه.

<<  <   >  >>