للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كبيرًا من الانهيار، وانحدرت معه قيم المجتمع لتخدم مصالح الفئة الحاكمة التي التفت حول يزدجرد، والمرتبطة عضويًا بمصالح كبار رجال الدين، مما ولد حالة من التباعد بين النظام والشعب١.

المفاوضات التي سبقت المعركة:

كتب سعد إلى عمر بشرح له الموقف الميداني، فأجابه عمر بأن يبعث إلى صاحب الفرس من يناظرونه، ويدعونه إلى الإسلام قبل الإقدام على القتال. فامتثل سعد لأوامر الخليفة، لكن المباحثات التي جرت بين الوفد برئاسة النعمان بن مقرن المزني ويزدجرد، انتهت بالفشل، وقد غضب الملك الفارسي عندما عرض عليه النعمان إحدى ثلاث: الإسلام أو الجزية، أو الحرب، وقد جرحت كبرياؤه أمام حاشيته وبطانته، وقد عد العرب أشقى، وأسوأ الناس "إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى، ولا أقل عددًا ولا أسوأ ذات بين منكم، وقد كنا نوكل بكم قرى الضواحي فيكفونناكم٢، لا تغزوكم فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم، فإن كان عدد لحق فلا يغرنكم منا، وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتًا إلى خصبكم، وأكرمنا وجوهكم، وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكًا يرفق بكم٣.

وجرت اتصالات مكثفة بين سعد ورستم قبل القتال، وتبادلا السفراء، ففي غمرة تردد رستم في خوض معركة سافرة مع المسلمين، بعث برسالة إلى سعد يطلب منه إرسال رجل من عنده يفاوضه بشأن الصلح، فكلف

سعد ربعيًّا بن عامر بهذه المهمة، فعرض عليه أن يختار واحدة من ثلاث: الإسلام أو الجزية، أو الحرب، وأمهله ثلاثة أيام، وترددت الرسل بين القائدين كان آخرهم المغيرة بن شعبة المشهور بفصاحته وبلاغته، وقد تمكن من إثارة حفيظة رستم أثناء المناقشة التي لم تخرج عن إطار العرض الإسلامي السابق، فيما عرض رستم منح المسلمين العطايا مقابل العودة إلى بلادهم، فرد عليه المغيرة: "إن لم تقبل الإسلام أو الجزية، فسيكون الحكم للسيف"، فاستشاط رستم

غضبًا، وأقسم بالشمس: "لا يرتفع الصبح غدًا حتى نقتلكم أجمعين"، فنهض المغيرة وانصرف، وانتهت كل آمال الصلح والمهادنة٤.


١ بيضون إبراهيم: من دولة عمر إلى دولة عبد الملك ص٥٢.
٢ فيكفونناكم: أي يكفوننا أمركم.
٣ الطبري: ج٣ ص٤٩٩.
٤ المصدر نفسه: ص٥١٨-٥٢٥.

<<  <   >  >>