للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأفضلية العدة والسلاح ونوعيته، وسلاح الفيلة، وستون ألفًا من الفرسان، ودرجات عالية من الكفاءة القيادية، والعسكرية تمثلت في رستم، وأركان حربه، الهرمزان والجالينوس، وبهمن جاذوبه وبيرزان، ومهران وغيرهم، واستقرار سياسي حيث التف الجمع حول يزدجرد ينصرونه، ويؤازرونه مع توقف حروب الدولة على جبهات أخرى مع البيزنطيين وغيرهم، يقاتلون في ديارهم؛ ومع ذلك كله فقد انتصرت القلة المؤمنة المسلحة على كل تلك الإمكانات.

- كثرت خطب الحماسة، والتشجيع أثناء التحضير للمعركة، تذكر من ذلك قيام عاصم بن عمرو أحد قادة القادسية، الذي ألقى خطبة مؤثرة، حث فيها المقاتلين على الصبر والقتال١.

- تشير الخطب والسجالات المتبادلة بين سعد، ورستم قبل بدء القتال، إشارة واضحة إلى أن خروج المسلمين من الصحراء، وما نجم عن ذلك من اندماج يومي فيما بينهم، وعلاقات متبادلة مستمرة من جهة، واصطدامهم الحضاري والثقافي مع الفرس الممعنين في الحضارة من جهة أخرى؛ أدى تدريجيًا إلى بداية تشكيل وعي عربي -إسلامي عام، وشامل يتجاوز حدود الوعي القبلي الضيق، ولم يكن هذا الوعي الجديد إفرازًا لعملية التوسع، وإنما أيضًا عاملًا مدعمًا لها ومؤثرًا فيها، تأثيرًا بناء وإيجابيًا.،إذا كان أهل الحضارة قد نافروا برقيهم وتفوقهم، وعيروا العرب ببداوتهم، فإن العرب لم ينكروا ذلك، بل أقروه كما فعل المغيرة بن شعبة في رده على رستم، لكن طرأ ما بدل الحال العربية، فكان الدين الإسلامي الذي اعتنقته القبائل العربية، وراحت تحتمي به، وتستمد منه العزة، والثقة التي تحتاجها لمتابعة توسعها، وهكذا غدا العرب أصحاب دين ورسالة، وبالتالي أصحاب ثقافة، كانت المبرر لعمليات الفتوح، وعلى هذه الصورة أخذ الدين الإسلامي يتحول إلى مكون سياسي للهوية الثقافية، والحضارية للشخصية الفاتحة التي كانت تحتاج إلى سلاح معنوي بالإضافة إلى سلاحها المادي، يبرر لها وللآخرين مشروعية غزوها لملك الآخرين بعامة٢.

- عرفت القادسية في الجاهلية بأنها باب فارس، حيث اتخذ سعد مركز قيادته، وسجل التاريخ نصرًا جديدًا لقوات المسلمين المنسجمة والمتلاحمة، كما سجل


١ انظر نص الخطبة عند الطبري: ج٣ ص٥٣٢.
٢ إبراهيم: ص١٦٠.

<<  <   >  >>