للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- بغض النظر عن المناقشات التي دارت حول هذا الموضوع الحساس، عبر فريق الأنصار عن أول اتجاه سياسي في الإسلام بعد وفاة النبي، إلا أنه كان أوهى الاتجاهات، وأقلها خطورة، وبخاصة أنه اصطدم بوحدة غير منتظرة من جانب قريش مما أعاق حركته منذ بدايتها، كما أنه لم يكن بقادر على أن يقنع فريق المهاجرين بوجهه نظره في خلافة النبي، وبالتالي أن يكون سيد الموقف، والواقع أنه افتقر إلى الانسجام وإلى الزعامة، وكلتاهما من ركائز الطموح إلى السلطة، ومن شروطها المبدأية١، فمن حيث فقدان الانسجام، لم يكن الأنصار يشكلون جبهة موحدة، وإن مثلوا جبهة مشتركة لم تتأخر في التصدع أمام مقاومة المهاجرين، ولم يتفقوا على المرشح سعد بن عبادة، كان هناك الأوس من جهة والخزرج من جهة أخرى، وكان يفصل بينهما في الماضي نزاعات قبلية، فوحدهم الإسلام داخل قضية مشتركة، فقد ترددت قبيلة الأوس في منحه التأييد لكونه خزرجيًا، إذ عز عليهم أن يتفرد على زعامة المسلمين بعامة، والأنصار بخاصة، بدليل قول أسيد بن حضير، سيد الأوس، لعشيرته: "لا والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبًا أبدًا"٢، كما ساد التنافس الداخلي بين الخزرج، إذ عندما ساند بشير بن سعد الخزرجي موقف المهاجرين، وطلب من الأنصار ألا ينازعوهم في هذا الأمر؛ لأن النبي من قريش، وقومه أحق به وأولى، ثم قام فبايع أبا بكر؛ قال له الحباب بن المنذر: "أنفست الإمارة على ابن عمك؟ "٣.

ومن حيث الافتقار إلى الزعامة السياسية، فقد كان سعد بن عبادة مريضًا، ولم يكن بحجم المنصب الكبير، أما الأوس فقد تراجعت قوتهم السياسية بعد وفاة زعيمهم سعد بن معاذ، فالزعامة السياسية إذن كانت غائبة عن تكتل الأنصار الذي طالب بالسلطة٤، غير أن هؤلاء قدموا الخدمة بتفجيرهم المشكلة لفريق المهاجرين المعتدل الذي قاده أبو بكر، وعمر وأبو عبيدة، حيث كان الأقدر على التحرك بما يملكه من خلفيات نضالية، فضلًا عن التقدير لزعامته٥، كما لم يثيروا غضب التيار المتشدد الذي التف حول علي، ولا تيار المحافظين بزعامة أبي سفيان بن حرب صاحب النفوذ القوي قبل الإسلام.


١ بيضون، إبراهيم: ملامح التيارات السياسية في القرن الأول الهجري، ص١٣.
٢ الطبري: ج٣ ص٢٢١.
٣ المصدر نفسه.
٤ بيضون: ص١٣، ١٤.
٥ المرجع نفسه: ص١٤.

<<  <   >  >>