للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- أدى عمر دورًا بارزًا في إيصال أبي بكر إلى منصب الخلافة من واقع قوة شخصيته، ونتيجة لتفكيره السياسي المستنير الذي جعله أحد مستشاري النبي الأكثر حظوة وإصغاء، لقد أدرك أن الأمر قد يتطور إلى نزاع مسلح حيث اعتقدت كل فئة بأحقيتها بهذا الأمر، فكانت السرعة في التحرك، وفي الاختيار، وفي الأسباب التي أدت إلى نجاحه في اختيار أبي بكر، ولئن كان صحيحًا أن هذا الأخير قد فرض نفسه بنفسه من واقع شخصيته الهادئة، والمعتدلة والمقبولة من الجمع بالإضافة إلى حب النبي له، وقربه منه، وأسبقيته في الإسلام، فمن الصحيح أيضًا أن عمر قد ساعده كثيرًا، حيث قام بالحركة الأولى للاعتراف به، وشكل معه ثنائيًا لا يقبل الانفكاك، كما ارتبطا مع الأنصار برباط المصاهرة، ويبدو أن انتماءهما لعشائر قرشية صغيرة، طمأن الأنصار إلى كونهما لا يحكمان بالاعتماد، أكثر، على عشائر قريش القوية، وأن سياستهما ستكون إسلامية قائمة على السابقة في الإيمان والعقيدة، أكثر مما تقوم على روابط الدم١.

- إن ما أوردته روايات المصادر في أن الإمامة في قريش، تستند إلى رواية أبي بكر حين قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الأئمة من قريش"، فهي مقولة استغلتها جميع الفرق الإسلامية وفسرت بها الإمامة، كل حسب رؤيتها ومصالحها، ولو سلمنا جدلًا أن النبي قد قالها، فإننا نرى أنه قصد إمامة الصلاة، والنظر في الشئون الدينية، ولم يقصد الجانب السياسي، فكلمة الإمامة لم تكن معروفة بالمفهوم السياسي إلا بعد ظهور الشيعة، والغلاة ثم الخوارج، وتحديدًا في عهد عثمان بن عفان حيث أصبح الإمام في نظرهم هو من يتولى الشئون السياسية والدينية، وخصوا بها شيعة علي، وأولاده من بعده، أما في عهد النبي فكانت الإمامة تعني الصلاة بدليل أن النبي طلب من أبي بكر أثناء مرضه أن يؤم المسلمين في الصلاة، ولهذا السبب أخذها المسلمون عن طريق القياس، في حين نجد أن النبي يستعمل لفظ أمير للقائد الذي يقود السرايا التي كان يرسلها في مهمات عسكرية، وهي ذات دلالة سياسية أكثر؛ لأنها تعني

الزعامة، وبالتالي لو أن النبي كان يقصد الزعامة، لقال لهم مثلًا: "الأمراء من قريش ولكنه قال: "الأئمة"٢.


١ جعيط: ص٣٦، ٣٧.
٢ شنقارو: ص٤١، ٤٢.

<<  <   >  >>