للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت أنباء الحصار، والقتال تصل إلى مسامع يزدجرد يوميًا، فيغنم، وقدر أن بهرسير سوف تسقط في أيدي المسلمين وسوف تتبعها المدائن، وذلك بفعل عدم توازن القوى الذي مال لصالح هؤلاء، وحتى يحافظ على ما تبقى عرض الصلح على سعد على أن يكون نهر دجلة حدًا فاصلًا بين الأملاك الإسلامية، والأملاك الفارسية، لكن سعدًا رفض عرض الصلح١، وأصر على القتال في ظل تعليمات الخليفة الواضحة بفتح المدائن؛ وفي ظل تراجع قوة الفرس الميدانية على الأرض، وبخاصة أنه يوشك أن يقتحم بهرسير.

وأخيرًا اقتحم المسلمون، ودخلوها في شهر "صفر ١٦هـ/ آذار ٦٣٧م" بعد أن تخلت حاميتها عنها وتوجهت إلى المدائن، وقد دمر أفرادها الجسور التي أقامواها من قبل، وحطموا السفن التي تجري في نهر دجلة على مسافة مائة وثمانين كيلو مترًا جنوبي المدائن، ومائة وثلاثين كيلو مترًا شمالها فيما بين البطائح وتكريت، حتى لا يستعملها المسلمون في العبور٢، ويبقى النهر بتياره الجارف خط دفاع يصدهم عن العاصمة.

ووقف المسلمون على شاطء النهر، فلاح لهم إيوان كسرى بقبته البيضاء الشامخة، وجدرانه البيضاء، فبهتوا من روعته، وضخامة بنائه وارتفاعه، واتخذ سعد من بهرسير قاعدة عسكرية استعدادًا لمهاجمة المدائن.

فتح المدائن:

كان نهر دجلة هو الحائل بين بهرسير والمدائن، ولم يكن هناك جسر، ولا قارب يحمل الجيش، وسعد حريص على العبور، حتى جاءه رجل فارسي، فدله على مخاضة يعبر عليها دجلة إلى قلب الوادي، فأمر سعد عاصمًا بن عمرو التميمي بالعبور، والتمركز على الضفة الأخرى للنهر ليحمي المسلمين أثناء العبور، ووضع تحت إمرته ستمائة جندي، فاشتبك مع قوة فارسية في مكان يسمى الفراض، وهزمها وولى أفرادها الأدبار، وسيطر على الضفة الأخرى للنهر وسط ذهول الفرس٣.

وصمد خرزاد، قائد حرس السواحل، مع عدد قليل من الجند، لتأخير زحف المسلمين حتى يتسنى لأهل الحكم مغادرة المدائن، وعين كتائب من الرماة على المناهل، وأنزل فرقة عسكرية في النهر لتسد طريق عبور المسلمين، وجرت معركة


١ الطبري: ج٤ ص٧.
٢ المصدر نفسه: ص٨.
٣ المصدر نفسه: ص٨-١١.

<<  <   >  >>