للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير متكافئة خاضتها طليعة الجيش الإسلامي، فأجلت حرس الشواطئ الذين انسحبوا إلى الداخل الفارسي تاركين المدائن خالية ممن يدافع عنها، ويحميها١.

وشرع يزدجرد، فور تبلغه بسقوط بهرسير، بنقل أفراد الأسرة المالكة إلى حلوان٢، وكنوزه وأمواله إلى النهروان٣، وعندما علم بعبور المسلمين إلى المدائن غادر المدينة إلى حلوان٤، مرتكبًا خطًا عسكريًا فادحًا في الدفاع عن عاصمته، إذ كان عليه أن يصمد، والواقع أنه لم يعد يملك القوة الضرورية للدفاع عن المدائن، وفضل النجاة بنفسه.

عبر سعد بعد ذلك بهدوء، ولما دخل المدائن وجدها خالية، والصمت سائد في جميع نواحيها، ثم دخل إيوان كسرى، ونصب المنبر مكان العرش الملكي وصلى بالمسلمين صلاة الجمعة، وغنم المسلمون ما يحويه الإيوان من كنوز، وأموال ونفائس، وأمتعة وآنية مذهبة، وآلاف القطع التذكارية منذ عهد الأكاسرة، كان من بينها سيوف، ودروع بهرام جوبين، وسياوش والنعمان بن المنذر، وقيصر الروم وراجا داهر خاقان الصين، وخناجر كيقباد وهرمز، وكسرى وتاج أنوشروان المرصع، والثياب الملكية وغيرها، والواقع أن يزدجرد لم يتمكن من نقل كل أمواله ومتاعه، كما كان مطمئنًا بعدم قدرة المسلمين على عبور النهر إلا بعد وقت طويل، وصالح من بقى من سكان المدينة المسلمين على أداء الجزية، وأمر سعد زهرة بمطاردة فلول الجيش الفارسي المنسحب إلى النهروان، والمعروف أن مهران، أحد قادة الجيش، انسحب إلى هذه الناحية وعسكر بها، ثم انتقل إلى جلولاء٥.

فتح جلولاء:

تحصن مهران في جلولاء وخندق على نفسه، وفرش الأشواك وحسك الحديد في الطرق، والممرات التي سيسلكها الجيش الإسلامي، وأعد نفسه ورجاله لقتال


١ الطبري: ج٤ ص١٥.
٢ حلوان: آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد، الحموي: ج٢ ص٢٩٠.
٣ النهروان: هي ثلاثة نهروانات: الأعلى والأوسط والأسفل، وهي كورة واسعة بين بغداد، وواسط من الجانب الشرقي، حدها الأعلى متصل ببغداد، وفيها عدة بلاد متوسطة، المصدر نفسه: ج٥ ص٣٢٤، ٣٢٥.
٤ الطبري: ج٤ ص١٣، ١٤، البلخي، أبو زيد أحمد بن سهل: كتاب البدء والتاريخ ج٢ ص٢٠٤.
٥ الطبري: ج٤ ص١٤- ٢٠، البلاذري: ص٢٦٢، ٢٦٣، البلخي: المصدر نفسه.

<<  <   >  >>