للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونفذ القعقاع بن عمرو، ومعه سريته من الجند هذه الخطة، فناوش الفرس وأثارهم، فخرجوا من أماكنهم، ثم تظاهر وجنده بالهزيمة، والفرار إلى حيث مكان تجمع الجيش الإسلامي، فطاردوه وأضحوا بعيدين عن المدينة وتحصيناتها، فانكشفوا أمام المسلمين الذين طوقوهم وانقضوا عليهم، ودار قتال لم يسمع، ولم يشهد مثله جيش من الفرس أو المسلمين، وصمد المسلمون لضراوة القتال وشراسة هجمات الفرس بشكل مذهل، وقاتل الفرس قتال المستميت حتى كثر القتل فيهم، واستشهد كثير من المسلمين حتى كسيت أرض المعركة بالدماء يزلق فيه الناس والدواب، وأصيبت بعض خيول المسلمين في هذه الزلقة، كما أصيب النعمان حين زلقت قوائم فرسه في هذه الدماء، فسقط من فوقه، وكان قد جرح من رمية في خاصرته، كانت السبب في استشهاده، فتناول أخوه نعيم بن مقرن الراية منه قبل أن تقع، وسجى النعمان بثوب، ثم رفع الراية إلى حذيفة بن اليمان بوصفه خليفة النعمان، وتكتم المحيطون به هذا الأمر حتى لا يدب الوهن في قلوب الجند، واستمرت المعركة كالمعتاد١.

وواصل حذيفة قيادة المعركة التي كانت قد بدأت في منتصف يوم الجمعة واستمرت إلى عتمة الليل، وانتهت بانهيار التماسك الفارسي، وبالتالي هزيمة الفرس وانتصار المسلمين، وتراجع من نجا من المعركة لكنهم ضلوا طريقهم في عتمة الليل، فسلكوا طريقًا خاطئًا أوصلهم إلى واد عميق يقال له: "واية خرد"، فسطقوا فيه مع خيولهم، وقتل منهم ثمانون ألفًا، وكان مردانشاه من بين القتلى٢.

وتمكن الفيرزان، وهو أحد قادتهم، من النجاة مع قلة من جنوده، وفروا إلى همذان فطاردهم نعيم والقعقاع، وأدرك هذا الأخير الفيرزان في ثنية همذان وقتله٣.

واستسلمت حامية نهاوند، وطلب سكانها الأمان وأقروا بدفع الجزية، فأجابهم حذيفة إلى ما طلبوا، ودخل المسلمون المدينة في موكب النصر، وكتب حذيفة إلى عمر يبشره بالفتح٤.

أصاب الفرس الهلع بهزيمة نهاوند، وتوغل المسلمين في أرضيهم، فازدادوا اضطرابًا، وتراجعت معنوياتهم، فليس إلا أن يأخذهم عمر وهم فيما هم فيه، وأن يدفع


١ الطبري: ج٤ ص١٣٠-١٣٢، البلاذري: ص٣٠١، ٣٠٢.
٢ الطبري: ج٤ ص١١٦، ١٣٢، ١٣٣، ١٣٨.
٣ المصدر نفسه: ص١٣٢، ١٣٣.
٤ المصدر نفسه.

<<  <   >  >>