للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخبره العيون بأن لا حشود عسكرية على طريق زحف الجيش إلى نهاوند فاطمأن النعمان، وواصل زحفه إلى أسبيهذان التي تبعد تسعة أميال عن نهاوند، وعسكر فيها بالقرب من المعسكر الفارسي، وقد خندق الفرس على أنفسهم، وألقوا حسك الحديد فيما وراءهم حتى لا يتعرضوا للهجوم من الخلف، وقد اقترن على عشرة جنود في سلسلة، وكل خمسة في سلسلة حتى لا يفروا١.

ويبدو أن الفرس تهيبوا الدخول في معركة، فطلبوا من النعمان أن يرسل إليهم رسولًا للتباحث بشأن التوصل إلى تفاهم سلمي، فأرسل إليهم المغيرة بن شعبة، لكن المباحثات انتهت إلى الفشل بسبب التصلب في المواقف، فقد عرض الفرس على المسلمين اقتراحهم القديم بالجلاء عن الأراضي الفارسية مقابل منحهم الإمان والسلم، وجاء الرد الإسلامي سريعًا بالرفض المطلق، وبدأ الطرفان يتسعدان للحرب، ثم التحما في رحى معركة ضارية، ابتدأت شديدة، واستمرت يومين، ولما لاح النصر للمسلمين، تراجع الفرس إلى المدينة وتحصنوا بها، وطرحوا حسك الحديد حول مواقعهم لعرقلة تقدم خيل المسلمين، فأحاط المسلمون بهم، ومرت أيام والجبهة على ذلك، فقلق المسلمون لعدم خروج الفرس من مواقعهم، واشتد الأمر عليهم، وبخاصة أنه دخل فصل الشتاء "شهر محرم عام ٢١هـ/ شهر كانون الأول عام ٦٤١م"٢.

والواقع أن اختيار الفرس لنهاوند كموقع دفاعي كان ممتازًا، بفعل طبيعته الجبلية، وهو اختيار يتيح لقوة صغيرة متحصنة فيه أن تواجه جيشًا بكامله، وهكذا ظنوا أن تحصنهم وراء ذلك الموقع سوف يمنحهم المنعة، ويضعف بالمقابل روح المسلمين القتالية بعد أن يدب اليأس في نفوسهم، ويزعزع ثقتهم بالنصر.

وعقد النعمان مجلسا عسكريًا مع أركان حربه للتشاور، فتقرر تخصيص قوة عسكرية تعمل على دفع الفرس إلى الخروج من تحصيناتهم بالتحرش بهم، وإغرائهم على الالتحام، بالكر والفر، في حين يترصد سائر الجيش في أماكن خلفية خافية عن أعين العدو، فإذا حدث الالتحام تظاهرت القوة بالخسارة، وتتراجع أمامهم إلى حيث يستطيع جيش المسلمين أن يشترك في المعركة، ويلتحم بهم بعيدًا عن تحصيناتهم٣.


١ الطبري: ج٤ ص١١٥-١١٩، البلاذري: ص٣٠١.
٢ الطبري: ج٤ ص١١٤، ١٢٩، ١٣٠، وقارن بالبلاذري: ص٣٠٢، ٣٠٣، وانظر: كمال ص٢١٩.
٣ الطبري: ج٤ ص١٢٩.

<<  <   >  >>