للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن سمات عمر الفذة أنه كان لديه معرفة كاملة بجميع أحوال البلد، لدرجة أنه كان تحت نظره ميزات كل فرد من أفراد الرعية ومؤهلاته، فاختار النعمان بن مقرن المزني لقيادة الجيش الإسلامي إلى نهاوند، وكان آنذاك عامل الخراج على كسكر من قبل سعد، وموجودًا في البصرة في جموع من أهل الكوفة، كان الخليفة قد أرسلهم مددًا عندما ثار الفرس هناك، وفي رواية أن النعمان كتب إلى عمر برغبته في الجهاد، وعدم بقائه على خراج كسكر، ووصل كتابه إلى المدينة في الوقت الذي تجمعت فيه جيوش الفرس في نهاوند، فكتب إليه بإمارة جند المسلمين١، ورسم له الخطة التي يتوجب عليه تنفيذها، وأردفه بقوات من المدينة بقيادة عبد الله بن عمر، وبثلث قوات البصرة بقيادة أبي موسى الأشعري، وثلث قوات الكوفة بقيادة حذيفة بن اليمان٢.

وقدر عمر أن القتال سيكون ضاربًا، وربما أدى إلى استشهاد القائد، فاقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة مؤتة، فعين سبعة من الرجال خلفًا للنعمان في حال قتل، منهم حذيفة بن اليمان، جرير بن عبد الله البجلي، قيس بن مكشوح المرادي وغيرهم، فإن قتل واحد تولى الذي يليه٣.

وخرج النعمان من السوس على رأس جيش الكوفة الذي يقدر بثلاثين ألف جندي متوجهًا إلى نهاوند، في الوقت الذي فتحت فيه قوة إسلامية مدينة جنديسابور بقيادة زر بن عبد الله كليب٤، وبث العيون أمامه لاستكشاف المنطقة حتى لا يؤخذ على غرة، وهذا ما يفعله القادة العسكريون الناجحون عادة، وحتى يحكم الطرق على الحشود الفارسية في نهاوند، أمر قادة المسلمين بين فارس، والأهواز أن يناوشوا من يحاورهم من الفرس لمنعهم من نجدة أهل نهاوند، وأن يقيموا على الحدود الفاصلة بين فارس والأهواز، كما أرسل مجاشعًا بن مسعود السلمي إلى الأهواز، وأمره أن يخرج إلى ماه٥ لقطع طريق الإمدادات على العدو، حتى إذا وصل إلى غضى شجر٦ أمره النعمان أن يقيم مكانه٧.


١ الطبري: ج٤، ص١١٤، ١١٥.
٢ البلاذري: ص٣٠٠، الطبري: ج٤ ص١٢٧، ١٢٨.
٣ الطبري: ج٤ ص٩٣، ٩٤.
٤ البلاذري: ص٣٠٠، الطبري: ج٤ ص١١٥.
٥ ماه: الماء قصبة البلد، ومنه قيل: ماه البصرة وماه الكوفة وماه فارس، ويقال لتهاوند وهمذان، وقم ماه البصرة، الحموي: ج٥ ص٤٨.
٦ غضى شجر: موضع بين الأهواز ومرج القلعة، المصدر نفسه: ج٤ ص٢٠٥.
٧ الطبري: ج٤ ص١٢٧.

<<  <   >  >>