للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتح نهاوند:

تراجعت هيبة الإمبراطورية الفارسية بعد خسارة العراق، وانسحاب الفرس من الأهواز إلى عمق الأراضي الفارسية، وحركت هذه الظاهرة العنصرية الفارسية، وأحدثت يقظة في طبرستان١، وجرجان٢ ودنباوند٣، والري وأصفهان٤ وهمذان، وأثارت الفرس في خراسان والسند٥، فكتب سكان تلك المناطق إلى يزدجرد، وهو يومئذ في مرو، وأثاروه لتحرك جديد، فدعا إلى التعبئة، وحشد مائة ألف مقاتل، عين عليهم مردانشاه، ذا الحاجب، وسيرهم جميعًا إلى نهاوند٦.

رصد قباذ بن عبد الله، الوالي على ثغر حلوان٧، هذه الحشود فكتب إلى سعد بذلك، فأخبر سعد بدوره عمر، ثم حدث أن عزل سعد في هذه الظروف الحرجة بسبب وشايات أهل الكوفة ضده، وخلفه عبد الله بن عبد الله بن عتبان، وهو صحابي متقدم في العمر٨.

كانت سياسة عمر تقضي، حتى ذلك الوقت، بعدم السماح للمسلمين بالانسياح في الجبال، لكن حشود الفرس في نهاوند اضطرته إلى تغيير سياسته، فإذا لم يبادرهم المسلمون بالشدة ازدادوا جرأة، وربما كروا عليهم، وعقد مجلسًا للمشورة استمع فيه إلى آراء كبار الصحابة الذين أجمعوا على ضرورة الإمساك بزمام المبادرة٩، وبذلك يكون عمر قد ألغى أوامره السابقة بعدم التوغل فيما وراء السواد.


١ طبرستان: بلدان واسعة كثيرة يشملها هذا الاسم، والغالب على هذه النواحي الجبال، فمن أعبائها دهستان وجرجان، وأستراباذ وآمل وهي قصبتها. الحموي: ج٤ ص١٣.
٢ جرجان: مدينة عظيمة مشهورة بين طبرستان وخراسان، المصدر نفسه: ج٢ ص١١٩.
٣ دنباوند: جبل من نواحي الري عال مشرف، ناهق شامخ لا يفارق أعلاه الثلخ شتاء، ولا صيفًا المصدر نفسه: ص٤٧٥، ٤٧٦.
٤ أصفهان أو أصبهان: مدينة عظيمة مشهورة من أعلام المدن وأعيانها، وأصفهان اسم للإقليم بأسره، وهي من نواحي الجبل، المصدر نفسه: ج١ ص٢٠٦، ٢٠٧.
٥ السند: بلاد بين الهند وكرمان، وسجستان، المصدر نفسه: ج٣ ص٢٦٧.
٦ البلاذري: ص٣٠٠، وقارن بالطبري الذي يذكر أن الفرس حشدوا مائة وخمسين ألف مقاتل، ج٤ ص١٢٢.
٧ حلوان: مدينة كبيرة عامرة ليست بأرض العراق، بعد الكوفة والبصرة وواسط، وبغداد وهي بقرب الجبل، الحموي: ج٢ ص٢٩١.
٨ الطبري: ج٤ ص١٢٠-١٢٢.
٩ المصدر نفسه: ص١٢٣-١٢٥.

<<  <   >  >>