للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كأبي عبيدة، وتنم عملية العزل عن براعة سياسية من عمر وبعد نظر، ولا يسعنا إلا الأخذ بهذا التبرير نظرًا لما اشتهر به عمر من صفات حميدة ذكرناها آنفًا، وبتقديمه مصلحة الإسلام، والمسلمين على مصالحه الشخصية، وتستوقفنا هنا عهود الصلح التي أبرمها أبو عبيدة مع سكان المدن المفتوحة، وهي مفعمة بهذا التوجه السلمي، كما أن إدارة البلاد المفتوحة قبل مؤتمر الجابية مليئة بنفحات أبي عبيدة الإدارية.

- ظلت مكانة خالد محفوظة من قبل عمر وأبي عبيدة، على الرغم من حادثة العزل، ففي الرسالة التي أرسلها الأول إلى الثاني عقب توليه الخلافة، أوصاه باحتباس خالد إلى جانبه: "فإنه لا غنى بك عنه"، وكان أبو عبيدة يستشيره في كل أمر، بل كان يأخذ برأيه، ويأتمر بأمره، ويقول له: "قل ما علمك الله".

معركة فحل -بيسان ١:

انسحبت فلول القوات البيزنطية بعد معركة أجنادين إلى دمشق، وتحصنت فيها، في حين عاد تيودور، أخو هرقل، إلى القسطنطينية، وكان الإمبراطور يتابع تطورات الموقف العسكري، فأمر بتجميع القوات البيزنطية المنتشرة في جنوبي بلاد الشام، في فحل -بيسان الواقعة على الطريق بين الأردن ودمشق، وأرسل في الوقت نفسه جيشًا من حمص يقدر بعشرة آلاف مقاتل بقيادة درنجارين٢، باتجاه دمشق، وذلك بهدف الإطباق على المسلمين من الجنوب والشمال، والقضاء عليهم، وإنقاذ دمشق المحاصرة من قبلهم، ثم غادر حمص إلى أنطاكية.

وصل الدرنجاران إلى بعلبك، وعلما وهما فيها بهزيمة البيزنطيين في مرج الصفر، فتوقفا عن الزحف وأقاما في المدينة، وكتبا بذلك إلى هرقل، وانتظرا تعليماته٣.

نتيجة لهذه التطورات العسكرية، عقد أبو عبيدة وخالد اجتماعًا تشاورا فيه بشأن كيفية الخروج من هذا المأزق، فتقرر أن يهاجم خالد القوة البيزنطية المتمركزة في بعلبك لمنعها من التقدم، ومساعدة القوى البيزنطية في جنوبي بلاد الشام، ومن جهة أخرى، تلقت قيادة الجيش البيزنطي في بعلبك أمرًا من هرقل بالتقدم إلى الجنوب، والانضمام إلى القوة المتمركزة في فحل -بيسان، وعندما وصل خالد إلى بعلبك


١ كانت فحل تعرف عند البيزنطيين باسم بلا وهي اليوم أطلال، تقع إلى الشرق من نهر الأردن بين نهر الزرقا جنوبًا، ونهر اليرموك شمالًا، وبين آبل إلى جنوبها، وبيسان إلى شمالها الغربي عبر نهر الأردن.
٢ الدرنجار: قائد ألف.
٣ الأزدي: ص١٠٥.

<<  <   >  >>