للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتقى خالد مع أبي عبيدة بالمقسلاط، وهو موضع النحاسين بدمشق١، فتحدث بعض المسلمين في ذلك، وقالوا: والله ما خالد بأمير، فكيف يجوز صلحه، فقال أبو عبيدة: إنه يجيز على المسلمين أدناهم، وأجاز صلحه، وأمضاه ولم يلتفت إلى ما فتح عنوة، فصارت دمشق صلحًا كلها"، وكتب بذلك إلى عمر وأنفذه٢.

وروى الطبري أن خالدًا اقتحم المدينة، فاستيقظ السكان مذعورين على جند المسلمين يلجونها، ويمعنون في جندها تقتيلًا، ففتحوا أبواب مدينتهم للفرق الإسلامية الأخرى، والتجأوا إلى أبي عبيدة يعرضون عليه الصلح، فقبل عرضهم، ودخل كل قائد من الباب الذي هو عليه صلحًا باستثناء خالد، فقد دخل عنوة، واجتمعت الفرق الإسلامية الخمس في وسط المدينة، وكان صلح دمشق على المقاسمة على الدينار، والعقار وعلى جزية دينار عن كل رأس٣؛ لأن جانبًا من المدينة فتح عنوة، فكان كله حقًا للمسلمين، في حين فتح جانب منها صلحًا، فوجبت عليه الجزية دون سواها، لذلك أخذ المسلمون نصف ما في المدينة من كنائس، ومنازل وأموال بحكم الفتح عنوة، وفرضوا الجزية بحكم الفتح صلحًا٤.

وأخذ المسلمون سبع كنائس من أصل أربع عشرة القائمة بدمشق، كما اقتسموا الكنيسة الكبرى، كنيسة القديس يوحنا المعمدان، مع الدمشقيين، فتركوا نصفها للنصارى يقيمون فيه صلواتهم، وجعلوا النصف الآخر مسجدًا للمسلمين٥.

فتح بعلبك:

أمضى المسلمون فصل الشتاء في دمشق، وكانت الخطوة التالية فتح حمص، فقد كان هرقل مقيمًا فيها أثناء حصار دمشق، فلما رأى أن قواته لا تستطيع الوصول إلى عاصمة الشام للدفاع عنها جلا عن حمص إلى أنطاكية٦.

ويربط دمشق وحمص طريقان، أحدهما شرقي خارجي لصحراء السماوة، ويمر بدومة وقطيف، والنبك وقارا وشمسين وصولًا إلى حمص، والآخر غربي ويمر في وادي البقاع إلى بعلبك، وجوسية وحمص، ويشكل أحد فروع طرق التجارة الشرقية الذي يمر بوادي العاصي، وكانت تسلكه الفرق العسكرية والبريد، وهذا يعني أنه كان الأكثر استعمالًا، ويبدو أنه كان الأكثر إيناسًا.


١ فتوح البلدان: ص١٢٨.
٢ المصدر نفسه.
٣ تاريخ الرسل والملوك: ج٣ ص٤٤٠.
٤ ابن كثير: البداية والنهاية ج٧ ص٧١.
٥ المصدر نفسه.
٦ البلاذري: ص١٢٩.

<<  <   >  >>