للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واختار خالد، بعد مشاورات مع أبي عبيدة، أن يسلك المسلمون الطريق الثاني، بهدف السيطرة عليه نظرًا لأهميته العسكرية، والمعروف أن المسلمين كانوا يتحركون سابقًا على الطريق الأول مع توفر الطريق الثاني.

استخلف أبو عبيدة، قبل أن ينطلق إلى حمص، يزيد بن أبي سفيان على دمشق، وعمرو بن العاص على فلسطين، وشرحبيلًا بن حسنة على الأردن، وسار إلى سهل البقاع يتقدمه خالد، ولما اقترب من بعلبك تصدت له قوة عسكرية لعلها كانت طليعة لجيش أكبر، فتغلب خالد عليها، وأجبر أفرادها على الارتداد، والاحتماء داخل الحصن١.

وضرب المسلمون الحصار على بعلبك، ولما رأى سكانها ألا أمل لهم في الانتصار استسلموا في "٢٥ ربيع الأول ١٥هـ/ ٦ أيار ٦٣٦م"، فأعطاهم أبو عبيدة الأمان على أنفسهم، وأموالهم وكنائسهم، وكتب لهم كتابًا بذلك ومنحهم مدة شهرين، فمن أراد المغادرة سار إلى حيث شاء، ومن أقام فعليه الجزية، وهذا نص الكتاب:

"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب أمان لفلان بن فلان، وأهل بعلبك رومها وفرسها وعربها، على أنفسهم وأموالهم، وكنائسهم ودورهم داخل المدينة وخارجها، وعلى أرحائهم، وللروم أن يرعوا سرحهم ما بينهم، وبين خمسة عشر ميلًا، ولا ينزلوا قرية عامرة، فإذا مضى شهر ربيع، وجمادى الأولى ساروا حيث شاءوا، ومن أسلم منهم فله ما لنا وعليه ما علينا، ولتجارهم أن يسافروا إلى حيث أرادوا من البلاد التي صالحنا عليها، وعلى ما أقام منهم الجزية والخراج، شهد الله وكفى بالله شهيدًا"٢.

الملفت في كتاب الصلح مع أهل بعلبك تنوع سكانها النصارى من دون تحديد معتقداتهم المذهبية، ونسبة توزعهم عليها، ولمضمون العهد دلالة جديرة بالانتباه، إذ يوضح أن العرب يشكلون العنصر السامي الغالب، فيدعو للمحافظة عليهم، ولا يأمر بإجلاء أحد منهم، أما البيزنطيون، فإنه أمر بإجلائهم في ظل شروط

ميسرة، وتزداد دلالة هذا العهد أهمية من حيث صيرورته نموذجًا أمام أنظار

أهل حمص، المدينة المجاورة لبعلبك٣، وهذه العناصر هي:

- الروم: وهم رعاة الإمبراطورية البيزنطية الحاكمة.


١ البلاذري: ص١٣٦، ١٣٧.
٢ المصدر نفسه: ص١٣٦.
٣ تردد ذكر الفرس في مدن أخرى لا سيما حمص التي ذكر البلاذري أن معاوية نقل قومًا من فرسها إلى صور وعكا، المصدر نفسه: ص١٢٤.

<<  <   >  >>