للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وطال أمد الحصار على أهل حمص، وساءت حالتهم، وخشوا على أنفسهم من السبي إن فتحت مدينتهم عنوة، ووقع، في هذه الأثناء، زلزال في المدينة أدى إلى تدمير بعض البيوت والمنشآت، وألحق أضرارًا أخرى بالسكان، في الوقت الذي تجاوز فيه المسلمون الأوضاع المناخية؛ الأمر الذي أدى إلى التوافق بين الحامية البيزنطية، والسكان إلى طلب الصلح، فنالوه حسب الشروط التي باتت معروفة، والتي تتضمن دفع الجزية، والحفاظ على حياة الناس، وأملاكهم ودورهم وأماكن عبادتهم، وساير المسلمون مشاعر الحمصيين إلى حد بعيد، فلم يدخلوا المدينة بل نصبوا خيامهم بالقرب منه على ضفاف نهر العاصي.

يعد فتح حمص من بين أهم الفتوح التي حققها المسلمون في بلاد الشام، وكتب أبو عبيدة إلى عمر في المدينة بهذا المعنى: "أما بعد، فالحمد لله الذي أفاء علينا وعليك يا أمير المؤمنين أفضل كورة في الشام أهلًا وقلاعًا، وأكثرهم عددًا وجمعًا وخراجًا، وأكبثهم للمشركين كبثًا، وأيسرهم على المسلمين فتحًا"١.

ولعل هذا الوصف من أبي عبيدة يعطينا صورة واضحة للمدينة من الناحية السكانية، والعسكرية والاقتصادية، ويتابع أبو عبيدة كلامه قائلًا: "أخبرك يا أمير المؤمنين أنا قدمنا بلاد حمص، وبها من المشركين عدد كبير"، ثم يصف كيف طلبوا الصلح من المسلمين: "وأذعنوا بأداء الجزية"، ويتابع "فقبلنا منهم وكففنا عنهم، وفتحوا لنا الحصون، واكتتبوا منا الأمان"٢، كما أخبره بأن الجيش الإسلامي سيتوجه نحو الشمال لمطاردة هرقل.

والواقع أن أبا عبيدة خطط لاستئناف التوسع نحو الشمال حيث بات الطريق مفتوحًا أمامه، وتشاور مع خالد في ذلك، فاستقر الرأي على فتح منطقة شمالي بلاد الشام بما فيها أنطاكية، وحلب ومطاردة الإمبراطور البيزنطي، فأرسل ميسرة بن مسروق العبسي إلى حلب، في حين خرج هو من حمص لاستكمال فتح قطاعها، واصطحب معه خالدًا، واستخلف عبادة بن الصامت على المدينة، فوصل إلى حماة، فصالحه أهلها على الجزية في رءوسهم، والخراج على أرضهم. ومضى نحو شيزر، فخرج أهلها وصالحوه على ما صالح به أهل حماة، وتابع تقدمه حتى بلغ معرة النعمان ففتحها، ثم أتى أفامية فأذعن له أهلها بالجزية والخراج، وبهذه الفتوح أتم المسلمون فتح بلاد الشام الوسطى٣.


١ الأزدي: ص١٤٦.
٢ المصدر نفسه: ص١٥٢.
٣ البلاذري: ص١٣٧.

<<  <   >  >>