للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتفرقين في الجنوب، على حدة، فخرج الجيش البيزنطي من أنطاكية متوجهًا نحو الجنوب، حتى إذا اقترب من حمص انسحب المسلمون من أمامه، فتعقبهم حينًا، وسابقهم أحيانًا حتى استقر في أذهان أفراده أن المسلمين يريدون الانصراف عن بلاد الشام، ثم واصل تقدمه خلال وادي البقاع إلى بعلبك، ولم يتوجه بعد ذلك إلى دمشق التي تجمع فيها المسلمون، وإنما توجه نحو الحولة في حركة التفاف تستهدف تطويق هؤلاء على ما يبدو، وقطع اتصالاتهم مع الجنوب حيث سائر جيوشهم بسواد الأردن ونواحيها، ومع التفوق العددي للجيش البيزنطي يصبح هذا الوضع بالغ الخطورة.

ثم حدث أن غادر الجيش البيزنطي المنطقة، وتوجه نحو فلسطين حيث تجمع المسلمون في اليرموك بعد أن أخلوا منطقة شمالي بلاد الشام، وعسكر أفراده شرق وادي علان، أو العلك ابتداء من الضفة الشمالية لليرموك، ونحو الشمال، وانتشروا في العمق غربًا باتجاه وادي الرقاد، وامتدوا من اليرموك جنوبًا مرورًا بسحم الجولان، فتسيل حتى غرب نون شمالًا بحيث استندت مؤخرتهم على الضفة الشرقية لوادي الرقاد غربًا، واستندت ميمنتهم على الضفة الشمالية لنهر اليرموك جنوبًا، أما ميسرتهم، فظلت طليقة باتجاه الشمال، وبهذا التمركز حشروا أنفسهم بين وادي الرقاد غربًا، ووادي اليرموك جنوبًا إلا أن طريق الشمال ظلت مفتوحة أمامهم، فكانت الإمدادات تصل إليهم، عبرها، ويتصلون من خلالها بقيادتهم العليا في أنطاكية، وكانت نقطة ضعفهم أنه كان من اليسير على المسلمين الالتفاف على مسيرتهم، وسد المنفذ الوحيد الذي يصلهم بداخل بلاد الشام، وبالتالي بعاصمتهم وقيادتهم١.

استعدادات التجهيز من جانب المسلمين:

علم أبو عبيدة بواسطة الجواسيس التي بثها بين البيزنطيين بهذا الحشد الضخم، فعقد اجتماعًا فوريًا لقادته للتشاور، فتقرر أن يغادر المسلمون حمص إلى دمشق حيث يوجند خالد؛ ولأنها أقرب إلى حدود الجزيرة العربية.

كان أبو عبيدة قد استعمل حبيبًا بن مسلمة على خراج حمص، فأرسل إليه كتابًا يقول فيه: "أردد على القوم الذين صالحناهم من أهل البلد ما كنا أخذنا منهم، فإنه لا ينبغي لنا إذا لم نمنعهم أن نأخذ منهم شيئًا، وقل لهم نحن على ما كنا عليه فيما بيننا، وبينكم من الصلح لا نرجع فيه إلا أن ترجعوا عنه، وإنما ردنا عليكم أموالكم أنا


١ سويد: ص٢٩٢، يذكر الواقدي، أن البيزنطيين نزلوا بدير يقال له: دير الجبل، وهو بالقرب من الرمادة، والجولان: ص١٦٦.

<<  <   >  >>