للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كرهنا أن نأخذ أموالكم، ولا تمنع بلادكم، ولكنا نتنحى إلى بعض الأرض، ونبعث إلى إخواننا، فيتقدموا علينا ثم نلقي عدونا فنقاتلهم، فإن أظفرنا الله بهم وفينا لكم بعهدكم إلا أن لا تطلبوا ذلك"١.

نفذ حبيب أمر أبي عبيدة ورد للقوم ما كان قد أخذه منهم من الجزية، وقد تأثر أهل حمص بهذا الموقف، وقد أشرنا إلى رد فعلهم في فصل سابق.

والواقع أن هذا التدبير لم يقتصر على أهل حمص فقط، بل شمل كافة المدن والقرى المفتوحة التي وقعت عهودًا مع المسلمين، فقد كتب أبو عبيدة إلى كافة عمالة أن يردوا الجزية التي حصلوا عليها إلى أصحابها٢.

ومهما يكن من أمر، فقد أمر أبو عبيدة برحيل جيش المسلمين إلى دمشق وأخبر عمر بذلك، تألم الخليفة من رحيل المسلمين عن حمص خوفًا من البيزنطيين، وتركوا أرضًا فتحها الله عليهم، ولكنه اطمأن عندما علم أن هذا التدبير جاء عن إجماع القادة، وأمد أبا عبيدة بقوة عسكرية إضافية بقيادة سعيد بن عامر.

أزال هذا التطور العسكري على الأرض الرعب من قلوب سكان بعض الأقاليم المفتوحة، فنقضوا عهودهم مع المسلمين، وأثاروا الاضطرابات ضدهم.

وشهدت مناطق الأردن، وفلسطين ثورات عاتبة أثرت سلبًا على الوجود الإسلامي، وقد رفع عمرو بن العاص تقريرًا بذلك إلى أبي عبيدة، مما استدعى عقد اجتماع آخر للقادة قرروا فيه الخروج إلى الجابية، واستدعاء عمرو بن العاص للانضمام إليهم، ثم يتهيأون للقتال، وهكذا قرر القادة المسلمون الصمود، والمقاومة على أرض الشام٣.

وفوض أبو عبيدة في هذه الأثناء سلطانه إلى خالد٤، إذ كان أقدر القادة في تحمل مسئوليات المهمات الصعبة، فاختار اليرموك مركزًا لتجمع القوات، ومن الواضح أن اختيار ذلك المكان إنما جاء خشية المسلمين في ذلك الدور من عملية إنزال بحري يقوم بها البيزنطيون، الأمر الذي يجبرهم على الاحتماء بداخل البلاد، هذا فضلًا على أنه يمكنهم من الانسحاب في حال الضرورة إلى داخل الصحراء العربية، والمعروف أن قوى البيزنطيين كانت تسيطر على البحر المتوسط.

وصل المسلمون إلى اليرموك، فوجدوا البيزنطيين قد سبقوهم إليه، فنزلوا عليهم


١ البلاذري: ص١٤٣، الأزدي: ص١٥٥.
٢ الأزدي: ص١٣٨.
٣ المصدر نفسه: ص١٦٤-١٧٢.
٤ المصدر نفسه: ص١٦٩.

<<  <   >  >>