للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحذائهم وعلى طريقهم، إذ ليس للبيزنطيين طريق إلا عليهم١، وقد بلغ عددهم ستة وثلاثون ألف مقاتل٢، والواقع أن خالدًا تمركز بجيشه قبالة البيزنطيين. غرب وادي الهرير ابتداء من الضفة الشمالية لليرموك، ونحو الشمال، وانتشر في العمق شرقًا باتجاه وادي الهرير، وامتد عسكره من تل الأشعري عند مجرى اليرموك جنوبًا حتى غرب جلين، فشرق سحم الجولان، وتسيل ونوى شمالًا؛ بحيث استندت مؤخرته على وادي الهرير شرقًا، واستندت ميسرته على اليرموك جنوبًا، أما ميمنته، فظلت طليقة باتجاه شمال نوى٣، فسد بذلك على البيزنطيين منفذهم الوحيد إلى الشمال.

استعدادات القتال:

عبأ باهان جيشه كعادة البيزنطيين في ذلك العهد في كراديس، كل كردوس مؤلف من ستمائة جندي، وفي فرق كل فرقة مؤلفة من عشرة كراديس، ورتب هذه الكراديس في ثلاثة خطوط، فوضع أربعة كراديس في الخط الأول، وثلاثة في كل من الخطين الثاني والثالث، ثم وضع الرماة في المقدمة، والخيالة في الجناحين، وبهذه التعبئة شكلت كراديس المشاة قلب الجيش الذي رتب ثلاثين خطًا، وأوكل إلى كل من هذه القوى مهمات قتالية محددة، ووضع القساوسة أمام كل خط يحملون الصلبان في أيديهم لبث الحماس في نفوسهم الجند، وفعلًا دفع الحماس ببعض الجند أن ثلاثين ألفًا منهم وضعوا القيود في أرجلهم، حتى لا تراودهم فكرة الانسحاب٤.

أما المسلمون، فإنه لم يكن لهم تنظيم عسكري حديث قبل اليرموك، بل كانوا يتبعون تنظيم الخميس، وهو الذي عرفه العرب في حروبهم السابقة كأمة دون أن يعرفوا تنظيم الكراديس، لكن خالدًا عرف بفطنته العسكرية أن جيشه بحاجة إلى تنظيم جديد يضاهي تنظيم البيزنطيين حتى يتمكن من مجابهتهم، فلم يجد أفضل من تنظيمهم لقتالهم به، وهكذا اعتمد المسلمون لأول مرة في تاريخ الحروب الإسلامية تنظيم الكراديس مع تنظيم الخميس مجتمعين، وهو ما سمي بـ"التعبئة الخالدية"٥، فعبأ خالد جيشه، مشاة وخيالة في ستة وثلاثين كردوسًا، كل كردوس مؤلف من ألف مقاتل، ثم في فرق، كل فرقة مؤلفة من عدد من الكراديس يتراوح بين عشرة وعشرين كردوسًا، وذلك على أساس التجمعات القبلية، نظرًا لما يقاتل به العرب


١ الطبري: ج٣ ص٣٩٣.
٢ المصدر نفسه: ص٣٩٤.
٣ سويد: ص٢٩٣.
٤ المرجع نفسه: ص٢٩٤-٢٩٦.
٥ المرجع نفسه: ص٢٩٧.

<<  <   >  >>