للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القتالية ضد المسلمين، بفعل أنها لم يعد باستطاعتها أن تحارب المسلمين العرب باستئجار عرب آخرين، كما قضى هذا الفتح على إمكان قيام تحالف بين البيزنطيين، والفرس ضد المسملين، وحال دون قيام بيزنطية بإنقاذ الإمبراطورية الفارسية المتداعية.

فتوح الساحل:

بدأ الاحتكاك العسكري بين المسلمين، والبيزنطيين في ساحل بلاد الشام خلال حصار بعبك حيث كان للمسلمين مركزان مسلحان: الأول في برزة عليه أبو الدرداء الأنصاري، والثاني في عين ميسنون١ عليه أبو عثمان الصنعاني شراحيل بن مرثد، فأغار أحد القادة البيزنطيين، ويدعي سسناق على المركز الثاني منطلقًا

من بيروت، ويبدو أنه نجح في قتل جماعة من حاميته، ولهذا دعيت هذه القرية بـ"عين الشهداء"٢.

شجعت هذه الغارة البيزنطية المسلمين للسيطرة على القطاع الأوسط من ساحل بلاد الشام، والذي يمتد من عرقة شمالًا إلى صيدًا جنوبًا، وطرد البيزنطيين من ثغوره، ومنعهم من استعمالها قواعد انطلاق لمهاجمة الداخل الشامي.

خرج يزيد بن أبي سفيان من دمشق على رأس قوة عسكرية متوجهًا نحو الساحل، وصحبه أخوه معاوية، ولم تحدد المصادر التاريخية الطريق الذي سلكه إلى المدن الساحلية، والراجح أنه اجتاز الطريق الحالي الذي يمر بمنعطفات جبال لبنان، وهذا يعني أن هذا الطريق كان خاليًا من أي قوة بيزنطية بعد الضربة التي تلقاها البيزنطيون في اليرموك، حتى أن أرض بلاد الشام فتحت على مصاريعها أمام المسلمين الذين تعدوا الداخل إلى إقليم الساحل دون مقاومة٣.

لم يبين البلاذري، الذي أرخ لهذا الفتح، أي مدينة فتحت قبل الأخرى، إذ يذكرها دون مراعاة لترتيب مواقعها الجغرافية، فيذكر صيدا أولًا، وهي في الجنوب، ثم عرقة وتقع في أقصى الشمال، ويذكر بعدها جبيل، وبيروت وهما في

الوسط٤، فهل سارت حركة الفتح على هذا النحو، أم أن الترتيب جاء عفويًا؟


١ لعل ميسنون هي التي تقع شرقي بلدة سوق الغرب في منطقة عاليه في جبل لبنان، انظر مكي، محمد علي: لبنان من الفتح العربي إلى الفتح العثماني ص٢٣.
٢ اليسوي، يعقوب بن سفيان: المعرفة والتاريخ ج٣ ص٢٩٨.
٣ كمال: ص٥١٣.
٤ تدمري: ص٣٧.

<<  <   >  >>