للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الراجح أن البلاذري لم يذكر المدن المفتوحة على هذا النسق اعتباطًا، إذ يحتمل أن تكون القوة الإسلامية التي انطلقت من دمشق، انقسمت إلى فرقتين، توجهت إحداهما جنوبا إلى صيدا بقيادة يزيد، وتوجهت الأخرى إلى عرقة في الشمال بقيادة معاوية١، بدليل ما رواه البلاذري: "أن يزيد أتى بعد فتح مدينة دمشق، صيدا وعرقة، وجبيل وبيروت، وهي سواحل، وعلى مقدمته أخوه معاوية، ففتحها فتحًا يسيرًا وجلا كثير من أهلها، وتولى فتح عرقة معاوية نفسه في ولاية يزيد"٢.

غير أن البلاذري يروي رواية أخرى تفيد بأن معاوية وحده فتح مدن الساحل، فيقول: "كان يزيد بن أبي سفيان وجه معاوية إلى سواحل دمشق سوى طرابلس، فإنه لم يكن يطمع فيها، فكان يقيم على الحصن اليومين، والأيام اليسيرة، فربما قوتل قتالًا غير شديد، وربما رمى ففتحها"٣، ثم إن "الروم غلبوا على بعغض هذه السواحل في آخر خلافة عمر بن الخطاب، أو أول خلافة عثمان بن عفان، فقصد لهم معاوية حتى فتحها ثم رمها، وشحنها بالمقاتلة وأعطاهم القطائع"٤، وهذا يعني أن العملية لم تكلل بالنجاح التام، والمعروف أن المدن الساحلية لم تخضع للمسلمين خضوعًا تامًا إلا في المرحلة المتأخرة من حركة الفتوح، ولعل السبب في ذلك أن البيزنطيين كانوا يمدون هذه الثغور بالإمدادات، والقوات عن طريق البحر الأمر الذي ساعد سكانها على مقاومة المسلمين، أو الانقضاص عليهم كلما آنسوا منهم ضعفا، وقد أدى ذلك إلى قيام المسلمين بإقامة قواعد لهم على ساحل بلاد الشام، ومصر بعد ذلك للتصدي للحملات البيزنطية البحرية، التي كانت تشن على مدن الساحل التي كانت تخضع لهم قبل الفتح٥، وظلت هذه المدن مدة غير قصيرة تتذبذب في ولائها، فمرة تخضع للمسلمين، ومرة ترفع راية العصيان عليهم.

استكمال فتوح فلسطين:

توجه عمرو بن العاص إلى قطاعه فلسطين، وربما كان ذلك عبر نهر الأردن، ففتح سبسطية الواقعة إلى الشمال الغربي من نابلس، ثم فتح هذه الأخيرة، وأعطى أهلها الأمان على أنفسهم، وأموالهم ومنازلهم على أداء الجزية والخراج، ثم فتح اللد ونواحيها ويبني، وعمواس وبيت جبرين، ثم هبط جنوبًا ففتح رفح، وفي رواية أنه فتح


١ تدمري: ص٣٧.
٢ فتوح البلدان: ص١٣٣.
٣ المصدر نفسه: ص١٣٤.
٤ المصدر نفسه: ص١٣٣.
٥ الطبري: ج٤ ص١١١، ١١٢.

<<  <   >  >>