للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرقى إليه الشك، إنها مدينة الرسل وأولى القبلتين، والمدينة التي أسري إليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وصعد منها إلى السماء في حادثة المعراج، فكانت مركز جذب روحي كبير، وإن فتحها كان هدفًا يحمل في طياته تحديًا لأهل الكتاب من اليهود والنصارى.

شكلت بين المقدس القاعدة البيزنطية الهامة، ومركز تجمع البيزنطيين الذين فروا من الواقع التي هزمت فيها جيوشهم مثل أجنادين، وحمص وقنسرين، واليرموك وغيرها، كما كانت ملجأ للذين خرجوا من المدن التي فتحها المسلمون، ورفضوا البقاء فيها مثل دمشق، وكان الأرطبون١، وهو أحد القادة البيزنطيين، من بين الذين التجأوا إليها، وقاد عملية المقاومة ضد المسلمين.

أحداث الحصار ونتائجه:

قاد عمرو بن العاص عملية حصار المدينة بوصفه قائد الجبهة الفلسطينية في الوقت الذي كان فيه أبو عبيدة، وخالد بن الوليد يفتحان شمالي بلاد الشام، وقد واجه مقاومة ضارية من جانب حاميتها وسكانها، ووجد مشقة بالغة في امتصاص الهجمات البيزنطية، فأرسل إلى الأرطبون يطلب منه التسليم مثل بقية المدن، ووعده بالأمان٢.

واستعمل البيزنطيون المجانيق من فوق الأسوار لضرب المواقع الإسلامية، فسببت أضرارًا بالأرواح والمعدات، وعانى المسلمون من مصاعب طبيعية قاسية، فقد بدأ الحصار في شتاء عام "٦٣٦- ٦٣٧م"، وكان البرد قارسًا، وكثر انهمار المطر، وتساقط الثلج، فاستغل الأرطبون سوء الأحوال الطبيعية التي لم يتعود عليها المسلمون، ورفض الدخول في الصلح، وأطال أمد الحرب، وشدد ضرباته ضدهم وهو يأمل أن يلحق بهم الهزيمة، أو يضطرهم إلى فك الحصار عن بيت المقدس.

اضطر عمرو بن العاص، في هذه الظروف القتالية الصعبة، أن يكتب إلى عمر في المدينة يطلب منه المساعدة، ويستعين برأيه: "إني أعالج حربًا كئودًا صدومًا، وبلادًا أدخرت لك، فرأيك"٣.

استجاب عمر لطلب المساعدة، وتصرف على ثلاثة محاور:

الأول: فقد أمده بمدد من عنده، وأرسل إلى أبي عبيدة لينجده، وكان قد فرغ لتوه


١ أرطبون: يجب قراءتها أطربون بوصفها كلمة معربة عن الكلمة اللاتينية تربيون، وهي رتبة عسكرية، ولقب للقائد الأعلى للجيش البيزنطي الذي يلي هرقل في المكانة، انظر هيكل ج١ ص٢٤٦ هامش رقم١.
٢ الطبري: ج٣ ص٦٠٦.
٣ المصدر نفسه: ص٦٠٧.

<<  <   >  >>