للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من تطهير شمالي بلاد الشام، فغادر المنطقة ونزل في الجابية، وقد صحبه خالد بن الوليد١.

الثاني: قرر المجيء إلى بلاد الشام ليكون قريبًا من مجرى الأحداث، وهذا يعني أنه أولى فتح بيت المقدس عناية خاصة نظرًا لأهميتها الدينية، والروحية عند المسلمين٢.

الثالث: فقد أرسل إلى يزيد بأن يبعث أخاه معاوية قيسارية، وتبدو خطة عمر واضحة في أن يستغل البيزنطيين في أكثر من جبهة في وقت واحد لإضعافهم، وحتى لا يمدوا يد العون لأهل بيت المقدس، فنزل معاوية بجنوده على قيسارية وحاصرها٣.

تسلم أبو عبيدة فور وصوله قيادة القوات الإسلامية، فارتفعت معنويات الجند، وتسرب في المقابل الخوف، والقلق إلى قلوب المدافعين، وبخاصة بعد أن فشلوا في إلحاق هزيمة مؤكدة بقوات عمرو، كما أن سقوط المدن المحيطة ببيت المقدس كان له أثره السلبي على معنوياتهم؛ لأنهم حرموا من الإمدادات، ولو تأتهم نجدة من هرقل، وعلموا أن عمر في طريقه إلى المنطقة، فأدركوا عندئذ أن مدينتهم لن تستطيع الاستمرار بالمقاومة، وأن سقوطها أضحى مسألة وقت، فانسحب الأرطبون مستخفيًا في قوة من الجند إلى مصر٤، وتسلم البطريك العجوز صفرونيوس مقاليد الأمور في المدينة، فأصلح استحكاماتها، وشحذ همم سكانها في محاولة أخيرة للصمود، وأجبرهم الحصار الطويل الذي استمر أربعة أشهر على البقاء داخل أسوار مدينتهم، لكن القتال بين الطرفين لم يتوقف خلال تلك المدة.

وعرض أبو عبيدة على البطريك ثلاثة شروط هي: اعتناق الإسلام أو استسلام المدينة، ودفع الجزية أو تدمير المدينة٥، كان اعتناق الإسلام بالنسبة إلى سكان بيت المقدس آنذاك أمرًا صعبًا بل مستحيلًا، كما أن التجربة التي مرت بها المدينة قبل نحو خمسة وعشرين عامًا حين دمرها الفرس، جعلت المقاومة للقوات الإسلامية المحاصرة، ومن ثم تعريض الأماكن المقدسية للدمار، أمرًا مرفوضًا أيضًا، لذلك اختار البطريرك استيلام المدينة على أن يسلمها إلى عمر، وكان قد علم بنزوله في


١ الواقدي: ج١ ص٢٢٩.
٢ الطبري: ج٣ ص٦٠٨.
٣ المصدر نفسه: ص٦٠٤.
٤ المصدر نفسه: ص٦٠٨.
٥ الواقدي: ج١ ص٢٣١.

<<  <   >  >>