للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجابية، وقد رأى في الاستسلام حماية للمدينة، ولأماكنها المقدسة من الدمار من ناحية، ومنع سقوطها في أيدي اليهود المناوئين له من ناحية أخرى١.

صلح بيت المقدس:

تتباين روايات المصادر التاريخية التي تتحدث عن اتفاق، ولا بد لنا من أن نذكر شيئًا عن الأسلوب الذي يختاره المرء لكي يفسر تلك الروايات؛ لأن البحث فيها هو جزء مهم في فهم مضمون العهدة العمرية، وهي وثيقة الصلح التي أعطيت إلى سكان بيت المقدس، والعصر الذي دونت فيه، ويمكن تصنيف روايات المصادر إلى قسمين: قسم لا يذكر نصًا للمعاهدة وإنما يذكر فحواها بالأسلوب السردي، وقسم يذكر نص المعاهدة.

القسم الأول: إن أسبق روايات هذا القسم ما رواه الواقدي، والبلاذري ثم ابن الأثير وأبو الفدا، فقد روى الأول روايتين بشأن الصلح، فقال في الأولى: إنه لما قدم عمر إلى بيت المقدس، ونظر إليه أهلها، وتأكدوا أنه هو "وكانوا قد ضاقت أنفسهم من الحصار، ففتحوا الباب وخرجوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه العهد والميثاق، والذمة ويقرون له بالجزية، ثم نزل إليهم وقال: ارجعوا إلى بلادكم ولكم الذمة، والعهد إذ سألتمونا وأقررتم بالجزية"٢، وروى في الثانية: "وارتحل عمر من بيت المقدس بعد أن كتب لأهلها كتابا أي عهدًا، وأقرهم في بلادهم على الجزية"٣.

وروى الثاني أيضًا روايتين، ذكر في الأولى: "ثم طلب أهل إيلياء من أبي عبيدة الأمان، والصلح على مثل ما صولح عليه أهل مدن الشام من أداء الجزية، والخراج والدخول فيما دخل فيه نظراؤهم على أن يكون المتولي للعقد لهم عمر بن الخطاب نفسه، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك، فقدم عمر فنزل الجابية من دمشق، ثم صار إلى إيلياء فأنفذ صلح أهلها، وكتب لهم به"٤.

وذكر في الرواية الثانية أن بيت المقدس سلمت إلى ابن ثابت الفهمي، وهو قائد مغمور، بشرط صريح وهو أن تكون المناطق الواقعة خارج المدينة في أيدي المسلمين، أما المدينة نفسها فلا يطالها أذى ما دام أهلوها يدفعون الجزية المفروضة عليهم، ويضيف أن عمر كان في المدينة المنورة وقت سقوط بيت المقدس، وأنه


١ ساهاس: ص٦٣.
٢ الواقدي: ج١ ص٢٤٢.
٣ المصدر نفسه: ص٢٤٤.
٤ البلاذري: ص١٤٤.

<<  <   >  >>