للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- إن تحديد تاريخ الصلح بسنة خمس عشرة أمر لو صح لقطع الخلاف في تاريخ فتح بيت المقدس، والمعروف أن الخلاف في تاريخ الفتح كان قبل الطبري واستمر بعده، والمعروف أيضًا أن المسلميم لم يبدأوا التاريخ الهجري إلا سنة ست عشرة، وبناء عليه فلا يمكن أن تؤرخ وثيقة قبل هذه السنة بالتاريخ الهجري مما يدل على أن هذا التاريخ ملحق بالوثيقة، وليس أصليًا فيها١.

والجدير بالذكر أن جميع روايات المصادر السابقة تتفق على تحديد طرفي العقد بـ عمر بن الخطاب، وأهالي بيت المقدس، وأن العهد بين الطرفين عقد في الجانبية مكان نزول عمر.

الفئة الثالثة: رواية المصادر اليونانية التي نشرتها البطريركية الأرثوذكسية في القدس في عام ١٩٥٢م، وهي مؤرخة في العشرين من شهر ربيع الأول عام ١٥هـ، تعد هذه الوثيقة من أبرز النصوص التي تناولها التغيير والزيادة، وهي على طولها تعكس الأسلوب الكنسي في الكتابة الذي يبدو واضحًا، وتركز على الصلة الشخصية بين عمر بن الخطاب، والبطريرك صفرونيوس، وكلاهما رجل تقوى وصلاح، وأن لهذه الصلة ارتباطًا كبيرًا باستسلام المدينة، وتسليمها والمسلك الذي رافق التسليم، إذ عندما قرر البطريرك الاستسلام، وتسليم المدينة إلى عمر نفسه، أرسل إليه رسالة بهذا المعنى، وكان في الجابية، ودعاه للقدوم، وعندما تسلم عمر الرسالة توجه من فوره إلى بيت المقدس، وخيم عند جبل الزيتون، وهناك اجتمع بالبطريرك حيث وقعت وثيقة استسلام بيت المقدس، وتقدم عمر بعدها لدخول المدينة.

سأكتفي بعض أهم نقاط الصلح كما وردت في النص، مستشهدًا بالكثير من عباراته٢:

- أعطى عمر بن الخطاب عهدًا للبطريرك صفرونيوس بالأمان "للرعايا والقسوس، والرهبان والراهبات حيث كانوا، وأين وجدوا"، والواقع أن هذا ما جرى عليه المسلمون في معاملتهم لأهل الذمة.

- أعطى عمر بن الخطاب الأمان "عليهم وعلى كنائسهم، ودياراتهم وكافة زياراتهم التي بيدهم داخلًا وخارجًا، وهي القمامة وبيت لحم، ومولد عيسى عليه السلام كنيسة الكبرا، والمغارة ذات الثلاثة أبواب، قبلي وشمالي وغربي"، وهذا أيضًا ما جرى عليه المسلمون في معاملتهم لأهل الذمة.


١ القضاة: ص٢٧٦.
٢ انظر النص الكامل للوثيقة عند ساهاس ص٧٣-٧٦، والمرجع نفسه: ص٢٧٧ هامش رقم ٢٣.

<<  <   >  >>