للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- يكون "بقية أجناس النصارى الموجودين هناك، وهم الكرج والحبش، والذين يأتون للزيارة من الإفرنج والقبط، والسريان والأرمن والنساطرة، واليعاقبة والموارنة، تابعين للبطريرك المذكور، ويكون هو متقدمًا عليهم".

يعد هذا النص بالغ الإيجابية، والقوة في يد صفرونيوس ومن يأتي بعده؛ لأنه أعطى بطريرك بيت المقدس الرسولي اليد العليا على سائر النصارى من مقيمين وزوار، وجعل له السلطان عليهم، وقد يلقي ذلك ضوءًا على أنه وضع لاحقًا لوضع حد للخلافات المذهبية على الرئاسة الروحية لكنيسة القيامة، ثم نسب إلى عمر بن الخطاب لإكسابه أهمية، واستعماله حجة على أن الرئاسة للطائفة الأرثوذكسية على مر الأيام.

- إعفاء نصارى بيت المقدس من دفع "الجزية والغفر١، والواجب من كافة البلايا في البر والبحور، وفي دخلوهم للقمامة وبقية زياراتهم لا يؤخذ منهم شيء"، ويعد هذا النص وثيقة مهمة في يد سكان بيت المقدس الأصليين، لقد استثناهم من دفع الجزية، ذلك الحكم الذي جرى عليه عمل المسلمين في سائر فتوحهم، والملاحظ أننا لم نجد أي رواية تاريخية تستثني نصارى فلسطين بعامة، وبيت المقدس بخاصة من دفع الجزية، مما يفسر على أنه وضع لاحقًا لتمييز سكان بيت المقدس عن النصارى بعامة.

- "وأما الذين يقبلون إلى الزيارة إلى القمامة، يؤدي النصراني إلى البطرك درهم وثلث من الفضة"، لقد أعطي هذا النصر البطريرك، ومن خلاله نصارى بيت المقدس، الملكية المطلقة للأماكن المقدسة في المدينة وما يجاورها، وأذن لهم بجبابة درهم، وثلث من الفضة من كل نصراني يزور كنيسة القيامة، والراجح أن هذا النص وضع لاحقًا أيضًَا لقطع الخلافات المذهبية على الرئاسة الروحية لكنيسة القيامة.

ويذكر بأن هذه الرواية خالية من أي إشارة إلى اليهود، أما تاريخ توقيع العهدة العمرية، فهو شهر "محرم ١٧هـ/ شباط ٦٣٨م"٢.

هل تدل هذه الامتيازات على أن عمر بن الخطاب ائتمن النصارى للحفاظ على حرمة الأماكن المقدسة؛ لأنهم كانوا الأكثر عددًا بين سكان المدينة، والأكثر تجانسًا؟

لا شك بأن العهدة العمرية أظهرت كرمًا بالغًا مع النصارى لم يتهيأ لهم في التاريخ، ولم يكن لهم رجاء في مثله، وهي في حد ذاتها ظاهرة ملفتة، ومميزة في العلاقات المتبادلة بين الأديان، وتكشف لنا جوانب مهمة عن طبيعة التفاهم بين


١ وردت في المصادر اليونانية Kafar.
٢ البلاذري: ص١١٤، ١٤٥.

<<  <   >  >>