للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقاد الحملة الثانية في عام "٢١هـ/ ٦٤٢م" اثنان من خبرة قادة المسلمين هما حبيب بن مسلمة، وسليمان بن ربيعة الباهلي، فهاجما حدود أرمينية من الشمال الشرقي، لكن الجيش الإسلامي الذي كان مكونًا من أربع فرق حيث يقود كل قائد فرقتين، واجه مقاومة عنيفة، ومع ذلك فقد دخل المسلمون إلى مدينة دوين عاصمة بلاد الأرمن في "٧ ذي القعدة ٢١هـ/ ٦ تشرين الأول ٦٤٢م"، إلا أنهم لم يستقروا فيها بسبب الضغط الأرميني، وغادروها بعد أن غنموا مقادير هائلة من الغنائم، وحملوا معهم كثيرًا من الأسرى، وطارد تيودور الرشتوني الجيش الإسلامي أثناء خروجه من المنطقة في محاولة لاستعادة الغنائم والأسرى، وكمن له عند نهر كوجوفيت، إلا أنه فشل في مهمته١.

كان من الطبيعي، تجاه المقاومة العنيفة التي واجهها المسلمون، أن تنتهي هاتان الحملتان دون نتيجة إيجابية من واقع الفشل في فتح البلاد، والاستقرار في الربوع الأرمينية.

فتح الباب:

كان طبيعيًا أن يتابع المسلمون زحفهم باتجاه شمال فارس حتى يقضوا على كل مقاومة، وكان على بحر قزوين، إلى جانب أذربيجان، فرصة يقال لها: الباب أو باب الأبواب، إنها دربندشروان، وتقع على الساحل الغربي للبحر المذكور، وقد بنيت وسط طرق جبلية ملتوية ومحصنة، وأصاب ماء البحر حائطها، وفي وسطها مرسى السفن، وقد بني على حافتي البحر سدان، وجعل المدخل ملتويًا، وعلى هذا الفم سلسلة ممدودة، فلا مخرج للسفن، ولا مدخل إلا بإذن٢.

كان يحكم الباب شهربراز، وهو مجوسي وتابع لحكومة فارس، فأرسل عمر بن الخطاب سراقة بن عمرو الأنصاري إلى الباب، وأمره بفتح المنطقة والتوغل فيها، فأرسل هذا عبد الرحمن بن ربيعة كطليعة، ثم خرج في أثره، وانضم إليه بكير بن عبد الله الليثي، وأمد عمر المسملين بحبيب بن مسلمة من الجزيرة.

وعندما اقترب عبد الرحمن من المدينة، شعر شهربراز بالخطر، وحتى يتجنب كارثة مؤكدة طلب الصلح، فأجابه عبد الرحمن وارسله إلى سراقة، وعرض أن يساعد المسلمين في صد الحملات الخارجية التي يقوم سكان المنطقة الأتراك مقابل إسقاط الجزية عنه وعن شعبه، فقبل سراقة منه ذلك، وأضحت هذه الظاهرة سنة


١.Grousset: pp٢٩٧, ٢٩٨
٢ الحموي: ج١ ص٣٠٣-٣٠٦.

<<  <   >  >>