للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التجارة الشرقية، والمعروف أن الفراعنة شقوا طرقًا ملاحية تصل البحر الأحمر بفروع النيل لتسهيل الحركة التجارية.

لم تكن الطرق البحرية الأداة الوحيدة التي تصل مصر بالجزيرة العربية، بل كان مضيق السويس أداة اتصال بينهما، فئقد كان في شبه جزيرة سيناء طريق عبده المصريون القدماء، يؤدي إلى مناجم النحاس فيها، وكان هذا الطريق يتصل بشمالي الحجاز، ويتقاطع عند تيماء مع الطريق الذاهب إلى العراق، ويتصل بطريق القوافل المنحدر إلى مكة واليمن، إنه الطريق التهامي الموازي تقريبًا لساحل البحر الأحمر من عدن إلى أيلة -العقبة- ومنها إلى مصر.

كان المصريون يحملون البضائع التجارية إلى بلاد العرب، ويقيمون فيها ريثما يعودون بتجارة الشرق، وكذلك فعل العرب، فكانوا يحلمون تجارة الشرق إلى مصر، ويقيمون فيها ريثما يعودون إلى بلادهم، ولقد أدت هذه الحركة التجارية إلى استقرار جالية مصرية في بلاد العرب، وإقامة جالية عربية في مصر.

استمرت الصلة التجارية بين مصر، والجزيرة العربية قائمة بعد قضاء الرومان على حكم البطالسة في مصر، تقوى حينًا وتضعف أحيانًا، ثم حدث أن ورثت بيزنطية المناطق الشرقية للإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي على أثر انقسام هذه الأخيرة إلى قسمين شرقي وغربي، وسقوط القسم الغربي في أيدي البرابرة الجرمان كما ذكرنا، في الوقت الذي استأنف فيه العرب رحلاتهم التجارية، وبخاصة رحلة الصيف إلى بلاد الشام حيث كانت بعض القوافل تنحدر عند أيلة إلى مصر، ويدل ذلك على أن جزءًا مهمًا من البضائع الشرقية كان معدًا للتصدير بحرًا إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط عبر ميناء الإسكندرية.

كون العرب، بحكم هذا الواقع التجاري، صورة عن أوضاع مصر، زادها القرآن الكريم وضوحًا حين تحدث عن غنى هذا البلد الزراعي، يقول القرآن الكريم تعقيبًا على ما حدث من غرق فرعون وقومه: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} [الدخان: ٢٥- ٢٧] ، ويقول أيضًا: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف: ٥١] ، ويقول على لسان بني إسرائيل بعد أن أخرجهم موسى من مصر: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البقرة: ٦١] .

<<  <   >  >>