للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي عصر الرسالة، ومن خلال عالمية الدعوة الإسلامية، أرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم مبعوثين إلى ملوك، وأمراء الشرق الأدنى، إلى

كسرى، وقيصر وملوك الحيرة، وغسان وأمراء الجنوب، وإلى المقوقس حاكم مصر، يدعوهم إلى الإسلام، والملفت أن رد المقوقس كان لطيفًا، بل أكثر الأجوبة مجاملة، وقد بعث مع حاطب بن أبي بلتعة، الذي حمل الرسالة إليه، هدية، هي عبارة عن كسوة، وبغلة بسرجيها وجاريتين، ومقدارًا من المال، وبعض

خيرات مصر١. وقد اصطفى النبي لنفسه إحدى الجاريتين، وهي مارية القبطية، فولدت له إبراهيم، فرفعها إلى مقام زوجاته، وكان يقول: "استوصوا بالقبط خيرًا، فإن لكم منهم صهرًا" ٢.

والواضح أن اختيار حاطب بن أبي بلتعة مبعوثًا إلى المقوقس يدل على أمرين:

الأول: أنه كان كثير التردد على مصر للتجارة.

الثاني: أنه كان يعرف لغة المصريين.

ولا شك بأن المسلمين ازدادوا معرفة بأوضاع مصر بعد فتوح بلاد الشام، إذ إنهم أضحوا على تخومها، والمعروف أن الصلة بين البلدين كانت وثيقة، فكلاهما يقعان تحت الحكم البيزنطي، وكان سكان بلاد الشام يذهبون إلى مصر للتجارة، كما أن العرب لم يجهلوا ثروة مصر آنذاك، وبخاصة أن كثيرًا منهم كان يذهب إليه للتجارة منذ أيام الجاهلية أمثال عمرو بن العاص، وعثمان بن عفان، والمغيرة بن شعبة، فكان خصب مصر، ووفرة إنتاجها مغريًا، وإن امتلاكها سوف يتيح للمسلمين الاستفادة من مواردها، وتسخيرها في خدمة الجهاد الديني، وإن النجاح في تحقيق هذه الهدف هو خطوة حاسمة في طموح المسلمين مع ازدياد الضغط الاقتصادي على المجتمع الإسلامي في بلاد العرب، لذلك كان فتح مصر ضرورة اقتصادية ملحة.

الوضع الديني:

كانت مصر في طليعة البلدان الشرقية التي تسربت إليها النصرانية في القرن الأول الميلادي، وانتشرت تدريجيًا، في جميع أنحاء البلاد في القرن الثاني، وقد تعارضت التعاليم النصرانية مع المفاهيم الرومانية المتعلقة بتأليه الإمبراطور وعبادته، ورفض النصارى الخدمة في الجيش الروماني، واتخذوا الأحد أول أيام الأسبوع ليكون فرصة لمباشرة طقوسهم الدينية، لذلك رأت الحكومة الرومانية أن اعتناق النصرانية هو جرم في حق الدولة، وعدت النصارى فئة هدامة، تهدد أوضاع


١ ابن عبد الحكيم: ص١١٨-١٢٠.
٢ المصدر نفسه: ص١٢٠، ١٢١، ١٢٤.

<<  <   >  >>