للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإمبراطورية وسلامتها، فمنعت اجتماعات النصارى، ونظمت حملات الاضطهاد ضدهم.

بدأت هذه الحملات ضد نصارى مصر أثناء حكم الإمبراطور سبتيموس سفيروس "١٩٣-٢١١م"، وظل هؤلاء يتعرضون لاضطهاد كبير، وتسامح قليل إلى أن تولى دقلديانوس "٢٨٤-٣٠٥م" عرش الإمبراطورية، حيث بلغ اضطهاد النصارى حده الأقصى.

قاوم النصارى في مصر هذا الاضطهاد بقوة وعناد، وقد انبثقت عن هذه المقاومة حركة قومية أخذت تنمو تدريجيًا، وليس أدل على ذلك من أن الكنيسة القبطية بدأت تقويمها، الذي سمته تقويم الشهداء، بالسنة الأولى من حكم دقلديانوس، وذلك نتيجة لما خلف الاضطهاد من أثر كبير في نفوس القبط١.

ولم تلبث النصرانية أن أحرزت تقدمًا حين خرجت ظافرة من جميع معاركها ضد الوثنية، لا سيما بعد أن اعترف الإمبراطور قسطنطين الأول بها دينًا مسموحًا به ضمن الدينات الأخرى في الدولة الرومانية، بموجب مرسوم ميلان الشهير في عام ٣٤٣م٢، ثم أصبحت النصرانية الدين الرسمي الوحيد للدولة في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الأول "٣٧٩-٣٩٥م"، الذي أصدر مرسومًا بذلك في عام ٣٨٠م، كما أصدر مرسومين في عامي ٣٩٢ و ٣٩٤م حرم بموجبهما العبادات الوثنية٣.

لم تنعم مصر النصرانية طويلًا بهذا النصر الذي أحرزه الدين النصراني، إذ ثار الجدل، والنزاع منذ أيام قسطنطين الأول بين النصارى حول صفات المسيح، وقد تدخل قسطنطين الأول في هذه النزاعات الدينية البحتة، وعقد مجمع نيقية في عام ٣٢٥م من أجل ذلك، وناقش هذا المجمع مذهب آريوس الإسكندري٤، الذي أنكر صفة الشبه بين الأب والابن، وعد أن "ابن الله"! ليس إلا مخلوقًا فأنكر بذلك ألوهية المسيح، وتقرر بطلان مذهبه، والإعلان عن أن الابن من جوهر الأب نفسه٥.

واتخذ معظم الأباطرة الذين جاءوا بعد قسطنطين الأول موقفًا عدائيًا من معتقدات


١.Munier: L'Egypt Byzantine pp ٩, ١٠
٢ انظر نص مرسوم ميلان عند السيد الباز العريني في كتابه: تاريخ أوروبا، العصور الوسطى ص٥٠، ٥١.
٣.Munier: pp ٣٨, ٣٩
٤ كان آريوس أحد قساوسة مصر، وراعي كنيسة بوكاليس بالإسكندرية.
٥ العريني:ص٧٣-٧٦، الأب جوزف بو حجر: بلورة الفكر المسيحي، مجمعا نيقية والقسطنطينية، ص١٦٧-١٧١، مقال في كتاب المسيحية عبر تاريخها في المشرق.

<<  <   >  >>