للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والواقع أن موقف عمرو كان حرجًا، فقد علم من خلال العيون التي بثها في المنطقة أنه لن يستطيع أن يحاصر حصن بابليون، أو يفتحه بمن بقي معه من الجند، وبالتالي فتح مدينة مصر المتصلة به، كما أنه يتعذر عليه التراجع حتى لايفت في معنويات جنوده، فيقوي عليهم عدوهم، بالإضافة إلى أنه كان مصرًا على فتح مصر، غير أنه كان لديه بصيص أمل من واقع وعد الخليفة بإمداده بالمساعدة.

ودار في غضون ذلك قتال شديد تحت أسوار أم دنين، وكانت كفة الصراع متأرجحة بين النصر، والهزيمة من واقع توازن القوى، لكن الإمدادات تأخرت في الوصول، وتضايق المحاصرون، وكاد اليأس يدب في نفوسهم، فرأى عمرو أن يشغل جنوده بنصر آخر كسبًا للوقت حتى تصل الإمدادات، لكنه كان عليه أن يفتح أم دنين أولًا حتى يستفيد من السفن الراسية في المرفأ لإجتياز النهر، ووصلت في غضون ذلك طلائع الإمدادات، فقويت عزيمة المسلمين، وأسقط في يد حامية أم دنين، فقل خروجهم للقاء المسلمين، فاستغل عمرو هذا الإحجام، وشدد حصاره على المدينة حتى سقطت في يده١.

تنفيذ غارات على الفيوم ٢:

سار عمرو ومن معه من المسلمين إلى الجنوب بعد أن عبروا النهر سالمين، وتوجهوا نحو الفيوم، وعندما وصل إلى تخومها وجد الحاميات البيزنطية متأهبة للتصدي له بقيادة دومنتيانوس حاكم الفيوم، فاصطدم بقوة الطليعة بقيادة حنا، وتغلب عليها وقتل قائدها إلا أنه لم يتمكن من فتح الفيوم.

وعلم في هذه الأثناء بوصول الإمدادات الإسلامية، فعاد أدراجه إلى الشمال منحدرًا مع النهر، واتصل بالمدد العسكري في عين شمس على مقربة من حصن بابليون، ولم يحاول تيودور القائد العام للجيش البيزنطي أن يخرج من الحصن ليحول دون التقاء الجيشين الإسلاميين مضيعًا فرصة بيزنطية أخرى٣.

حققت غارات عمرو على الفيوم عدة فوائد للمسلمين لعل أهمها:

- فقد أخرج جيشه من المأزق الذي وجد فيه نفسه عند أم دنين، وانتقل به إلى مكان أكثر أمنًا بانتظار وصول الإمدادات الإسلامية.


١ ابن عبد الحكم: ص١٣٦، ١٣٧.
٢ الفيوم: ولاية غربية بينها وبين الفسطاط أربعة أيام، بينهما مفازة لا ماء بها، ولا مرعى مسيرة يومين، وهي في منخفض الأرض كالدارة، الحموي: ج٤ ص٢٨٦.
٣ بتلر: ص٢٥٢، ٢٥٣.

<<  <   >  >>