للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المضمون، وهو الذي تولى هذا المنصب كرجل دولة بالإضافة إلى سلطته كنبي. وهذا التغيير العملي الذي طبقه، والذي يختلف عن الأطر الجاهلية المعروفة عبر الانسجام المطلق في الصلاحيات؛ هو الذي حدد الإطار العام لمؤسسة الدولة الإسلامية، وتعد هذه الممارسة المزدوجة من جانبه أول ظاهرة في التاريخ١.

وحافظ أبو بكر الصديق على روحية هذا الإطار العام، إلا أنه أعطى الخلافة دورًا محددًا، ومضمونًا خاصًا اتضح في العهود اللاحقة، على الرغم من أنه لم يتمكن من أن يعطي منصب الخلافة شخصية، أكثر تفصيلًا، وذلك بفعل ولايته القصيرة، وانهماكه في إخضاع المرتدين بالإضافة إلى الفتوح التي ابتدأت في عهده، وقد وقع عبء هذه المهمة بالضرورة على عاتق عمر بن الخطاب الذي وجد نفسه أمام ظروف مستجدة لا يمكن تجاوزها، لا سيما في مجال حالات خاصة ليست لها سابقة لا في عصر الرسالة، ولا في عهد سلفه، وقد دفعته إلى أن يتخذ صفة تشريعية، كذلك، لمعالجة المواقف الطارئة التي واجهت الحكم.

شكلت هذه الازدواجية، بين فكرة الخلافة بمفهومها الروحي، وبين مؤسسة الدولة كنظام سياسي، الخطوة الأولى في مسيرة الدولة الإسلامية منذ عهد عمر بن الخطاب٢، والمعروف أن النظام السياسي يشمل: الفكر السياسي، والنظم السياسية بما فيها الدستور والحكومة المركزية، والحكومات الإقليمية، والمحلية والإدارة العامة، والوظائف الاقتصادية، والاجتماعية للحكومة، والنظم السياسية المقارنة، والأحزاب والجماعات والهيئات، ودور الفرد في الحكومة والرأي العام٣.

وبعد هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وظهور نواة الدولة الإسلامية، تمثلت المبادئ الخاصة بها بمضمون الوثيقة التي حددت قواعد السلوك الداخلي، والتعايش بين فئات المجتمع المدني، ووضعت الأسس للعلاقات الخارجية، وعالجت شئون الحرب.

لكن هذا النظام على الرغم من أنه لبى حاجة ماسة إليه في ذلك الوقت، وأحدث انقلابًا في قوانين التعامل الاجتماعي، والعلاقات السياسية، فإنه ظل لمدة في النطاق الحجازي دونما حاجة إلى تطوير، وذلك في عصر الرسالة، وعهد أبي بكر الذي لم يكن بوسعه أن ينصرف عن إخضاع المرتدين، ومواجهة الفرس والبيزنطيين، إلى


١ بيضون: ص٨٦.
٢ المرجع نفسه: ص٨٧.
٣ عيسى، محمد خيري؛ وغالي، بطرس بطرس: المدخل في علم السياسة ص٤- ٨.

<<  <   >  >>