للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فرد مقاتل نصيبه منه، فكان إحصاء الناس، وتصنيفهم إلى فئات متعددة طبقًا لقدمهم في الإسلام، وفضلهم في الفتوح، المحتوى الاجتماعي الأساسي لديوان عمر.

وهكذا فإن القاعدة التي اتخذت مقياسًا لتوزيع العطاء كانت لها خلفيات متصلة بمبدأ العقيدة التي هي جوهر المجتمع، وتبدو واضحة في قوله: "ما من الناس أحد إلا له في هذا المال حق، أعطية أو منعة، وما من أحد أحق به من أحد إلا عبد مملوك، وما أنا فيه إلا كأحدهم، ولكنا على منازلنا من كتاب الله، وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وقدمه في الإسلام، والرجل وغناؤه في الإسلام، والرجل وحاجته، والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو مكانه"١، وقد قرر الخليفة تقدم بني هاشم أسرة النبي على غيرهم في العطاء، ثم أخذ بمبدأ الأسبقية في الإسلام، والمشاركة في أحداثه التاريخية البارزة لا سيما المعارك الولى كبدر وأحد، وبقية المعارك الكبرى في العراق، وبلاد الشام.

وعندما استشار عمر المسلمين في تدوين الديوان قال له علي بن أبي طالب: "تقسم كل سنة ما اجتمع إليك من المال، ولا تمسك منه شيئًا، وقال عثمان بن عفان: أرى مالًا كثيرًا يتبع الناس، فإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأول، فقال له الوليد بن هشام بن المغيرة: يا أمير المؤمنين قد جئت الشام، فرأيت ملوكها قد دونوا ديوانًا، وجندوا جندًا، فدون ديوانًا، وجند جندًا، فأخذ بقوله، فدعا عقيلًا بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل وجبيرًا بن مطعم، وكانوا من نساب قريش، فقال: اكتبوا الناس على منازلهم، فكتبوا، فبدأوا ببني هاشم، ثم اتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم عمر وقومه على الخلافة، فلما نظر فيه عمر قال: لوددت والله أنه هكذا، ولكن ابدأوا بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأقرب فالأقرب، حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله"٢.

روى الطبري: "ولما أراد عمر وضع الديوان، قال له علي، وعبد الرحمن بن عوف: ابدأ بنفسك، قال: لا، بل أبدأ بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الأقرب فالأقرب، ففرض للعباس وبدأ به، ثم فرض لأهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف، ثم فرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلاف أربعة آلاف، ثم فرض لمن بعد الحديبية إلى أن أقلع أبو بكر عن أهل الردة ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف، في ذلك من شهد الفتح، وقاتل عن أبي بكر، ومن ولى الأيام قبل القادسية، كل هؤلاء ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف، ثم


١ الطبري: ج٤ ص٢١١.
٢ المصدر نفسه: ص٢٠٩، ٢١٠، البلاذري: ص٤٣٥، ٤٣٦.

<<  <   >  >>