للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعريف الناس التي تضمنت تحديًا لعطاءات المقاتلة حسب طبقاتهم قد حدثت في السنة السابعة عشرة للهجرة، فيمكننا أن نستنتج أن تحويل الديوان من إجراء تنظيمي خاص بتويع الخمس القادم على المدينة إلى وسيلة تنظيمية مركزية؛ لضبط عملية توزيع غنائم الأمصار المفتوحة على المقاتلة، قد حدثت عمليًا في السنة السادسة عشرة للهجرة، بدليل أن التبدل النوعي من الغارة التقليدية إلى الفتح المنظم قد حدث في هذه السنة، كنتيجة لفتوح القادسية، والمدائن. والمعروف أن تدوين الديوان لا يمكن أن يعتمد على الفيء الذي يرد من الغزو؛ لأنه مورد غير ثابت، والديوان مصروف سنوي ثابت، لا بد إذًا أنه اعتمد على الجزوية والخراج، ولم تبلغ الجزية، ولم يبلغ الخراج الذي يسمع عطاء المسلمين جميعًا في عام ١٥هـ١، وهذا ما تشير إليه رواية الطبري التالية: "قالوا: فرض عمر العطاء حين فرض لأهل الفيء الذين أفاء الله عليهم، وهم أهل المدائن، فصاروا بعد إلى الكوفة، انتقلوا عن المدائن إلى الكوفة والبصرة، ودمشق وحمص والأردن، وفلسطين ومصر، وقال: الفيء لأهل هؤلاء الأمصار، ولمن لحق بهم وأعانهم، وأقام معهم ولم يفرض لغيرهم، ألا فيهم سكنت المدائن والقرى، وعليهم جرى الصلح، وإليهم أدى الجزاء، وبهم سدت الفروج ودوخ العدو، ثم كتب في إعطاء أهل العطاء أعطياتهم إعطاء واحدًا سنة خمس عشرة"٢.

الواضح أن الطبري ومن نقل عنه، لم يراعوا الفارق الزمني البسيط بين وضع الديوان، وبين فرض العطاء على المقاتلة في البلاد المفتوحة، مهملين التطورات النوعية الهامة التي حدثت في السنتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة للهجرة. فالطبري يرجع تأسيس الديوان إلى السنة الخامسة عشرة للهجرة، ويؤرخ للفتوح التي تلت القادسية، وفتوح المدائن في أوائل السنة السادسة عشرة للهجرة، ويبدو واضحًا أنه يؤرخ لجملة هذه التطورات على أنها تغير واحد رمزه، وعلاقته ديوان عمر٣.

ويربط البلاذري فرض العطاء باستقرار فتوح العراق، والشام "كما افتتح عمر العراق والشام، وجبى الخراج جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني قد رأيت أن أفرض العطاء لأهله، فقالوا: نعم رأيت الرأي يا أمير المؤمنين"٤، فعلى خليفته كثرة الفيء، وكثرة عدد المسلمين المشاركين في الفتوح جاء ديوان عمر ليعطي كل


١ إبراهيم: ص٢٠٨، ٢٠٩.
٢ تاريخ الرسل والملوك: ج٣ ص٦١٥.
٣ المصدر نفسه: ص٦١٩-٦٢٣، ج٤ ص٥-٣٩، إبراهيم: ص٢٠٩.
٤ فتوح البلدان: ص٤٣٥.

<<  <   >  >>