محمد، وإنما ساووا أنفسهم به، فهو نبي وهم أنبياء مثله بعثوا في أقوامهم، كما بعث هو في قومه، لكن أحدًا منهم لم يقدم خصائص لدعوته تضاهي خصائص الدعوة الإسلامية.
وتستوقفنا في هذا المقام بعض الدوافع التي أدت إلى بروز هذه الظاهرة نذكر منها ما يلي:
- إن المناطق التي انطلق منها المتنبئون، كانت أكثر مناطق الجزيرة العربية تحضرا وأضخمها ثروة، كما كانت مجاورة لأراضي الفرس، أو كان للفرس فيها نفوذ.
- اعتمد المتنبئون على الناحية العصبية، وبخاصة ما كان بين اليمنية، والمضرية من عداوة راسخة الجذور، بالإضافة إلى التنافس بين ربيعة ومضر، وإذا تغلغلنا في صميم هذه الظاهرة نلمس شواهد واضحة على أثر العصبية القبلية.
ويرتبط بالعصبية القبلية ما ينتج عنها من تحاسد، وتنافس بين القبائل العربية والتسابق في إدعاء النبوة، ذلك أن المظاهر الأساسية لحركة الردة لم تقتصر على رفض بعض أركان الإسلام، أو عدم الاعتراف بسلطة المدينة، وإنما جاءت مصحوبة بإدعاء بعض الأشخاص النبوة، إذ إن النجاح الذي حققه النبي في حياته، والمكانة التي وصلت إليها قريش في الجزيرة العربية، عند وفاته، غدت مثار حسد كافة القبائل العربية، ولم تلبث أن أضحت سيرة النبي مثلًا يحتذى لتحقيق نوع من الأهمية، والزعامة في مجتمع يمجد الأبطال.
والواضح أن كثيرًا من الأفراد في المجتمع العربي كانوا طلاب زعامة ورئاسة، فأرادوا الاقتداء بالنبي لتحقيق تطلعاتهم، فحاولوا التشبه به في ما أوحي إليه من القرآن الكريم، فأتوا بعبارات مسجوعة مفككة المعاني، ركيكة المضمون، لا روح فيها، تتصف معانيها بالسذاجة، وسجعها بالتكلف.
وتمادى المتنبئون حين امتدت أيديهم إلى التشريع، من ذلك أن مسيلمة الكذاب شرع لأصحابه أن من أصاب ولدًا واحدًا عقبًا لا يأتي امرأة إلى أن يموت ذلك الابن، فيطلب الولد حتى يصيب ابنًا ثم يمسك، فحرم بذلك النساء على من له ولد ذكر١، كما ادعوا بأن الوحي ينزل عليهم من السماء.
والحقيقة أنه لم يكن عند هؤلاء شيء من أدب النبوة، وأن بعضهم كان لا يبالي أن يطلع الناس على قبيح، ولعل في علاقة مسيلمة الكذاب مع سجاح، والتي