للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سنبحثها في موضعها ما، يثير الاشمئزاز، فضلًا عن خروجها على الآداب العامة.

ومن مظاهر التشبه بالإسلام أن بعض المتنبئين عمد إلى اتخاذ بيت حرام ينافسون به البيت الحرام في مكة، من ذلك أن مسيلمة الكذاب ضرب حرمًا في اليمامة نهى الناس عنه، وأخذ الناس به، فكان محرمًا١.

- تفجرت ظاهرة التنبؤ في بلاد وعلى أيدي أفراد عرفوا النصرانية، وسمعوا بها أو اشتهروا بالكهانة، لقد ساد الجزيرة العربية آنذاك باستثناء الحجاز، اضطراب ديني بفعل عدم استقرار العقيدة في النفوس، فالنصرانية واليهودية، والمجوسية والوثنية، تجاورت كلها في ظل نقاش جدلي في أي منها تحقق السعادة لأتباعها، مما مهد الطريق أمام المتنبئين للظهور، واستقطاب الناس بكلام منمق، وبمظاهر يتخذونها آيات صدقهم، واستطاعوا بهذه الوسيلة أن يحققوا نجاحًا مبدئيًا، ذلك أن النصرانية انتشرت في الجزيرة العربية قبل الإسلام عن طريق الأحباش في الجنوب، والأنباط في الشمال، وكان ملك اليمامة هوذة بن علي نصرانيًا أرسل إليه النبي سليط بن عمرو يدعوه إلى الإسلام٢، ثم إن العرب شأنهم في ذلك شأن معظم الشعوب الوثنية عرفوا الكهانة، وبخاصة عرب الجنوب، حمير، مثل طريفة الخبر التي تنبأت بأخبار سد مأرب، وسطيح الغساني وغيرهما، فادعى بعض الكهان أن نفوسهم قد صفت، واطلعت على أسرار الطبيعة، وادعى آخرون أن الأرواح المنفردة، وهي الجن، تخبرهم بالأشياء قبل حصولها، وحصل تقارب بين النصرانية، والكهانة عند العرب في الجاهلية، هذا على الرغم من أن أدعياء النبوة اختلفوا على الطرفين في أتباعهم أسلوب التي في سيرته، وأقواله وأفعاله، فادعوا أنهم أنبياء، وأن الوحي ينزل عليهم، وشرعوا لأتباعهم، وطالبوا لأنفسهم بسيادة وزعامة عليهم٣.

- اعتمد المتنبئون على العامل الإقليمي، فقد استغل الأسود العنسي استياء اليمنيين من الفرس، ونفورهم من الحجازيين.

- تشكل ظاهرة التنبؤ إحدى الانعكاسات التي أحدثها فتح مكة، وانتشار الإسلام في أجزاء واسعة في الجزيرة العربية، وتوسيع نفوذ الحكومة المركزية في المدينة، ذلك أن هذا التطور الإسلامي أثار عمليات مشابهة، متوازية ومتزامنة في أنحاء متفرقة، حيث بدأت تنشأ تحالفت قبلية واسعة يتزعمها أناس يدعون النبوة، اقتداء


١ الطبري: ج٣ ص٢٨٣.
٢ ابن الأثير: ج٢ ص٩٥.
٣ عاشور: ص٧٣.

<<  <   >  >>