للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إله إلا الله"١، كما أن هذا القرار يعد خطوة خطيرة، وتجاوزًا لمبادئ الإسلام، وتشجيعًا للقاتل على جريمته، ومخالفة لرغبة عمر بمعاقبة ابنه، مع الإشارة إلى أن اليعقوبي انفرد بقوله: "إن عمر أوصى أن يقاد عبيد الله بالهرمزان"٢ إلا أن هؤلاء لم يتسرعوا في الحكم على عثمان بسبب هذه القضية نظرا لانقسامهم تجاهها، ثم لمكانة عمر بن الخطاب في نفوسهم، ولما كانوا يرونه من رعاية حقه في أهل بيته، إلا أن ذلك أعطى جمهور الصحابة، وعامة المسلمين مؤشرًا واضحًا على أنهم أمام سياسة جديدة لخليفة جديد، على الرغم من تأكيداته المتكررة بأنه يسير على النهج نفسه الذي سار عليه من سبقه من الخلفاء٣.

والواقع أن حجج المعارضين واهية لا تثبت أمام النقد البناء، إذ إن حقيقة إسلام الهرمزان مشكوك فيها "لما عضه السيف قال: لا إله إلا الله"، الأمر الذي يعني دفاعًا غير مباشر عن عبيد الله بن عمر الذي قتل رجلًا أسلم بعد أن طعنه وليس قبل ذلك، والفارق بين الأمرين كبيرًا جدًا٤، ثم إن قرار الخليفة بدفع دية القتلى من ماله الخاص، بوصفه ولي القتلى، ثم بعد مشاورة الصحابة، وجمهور المسلمين الذين رفضوا قتل عبيد الله بن عمر٥.

السماح للقرشيين الانسياح في الأمصار:

الواضح أن الظروف السياسية، والاجتماعية التي ترك عليها عمر بن الخطاب المسلمين بعامة وقريشًا بخاصة، من واقع شدته وقسوته، فرضت اتجاهًا قرشيًا يطالب باستبدال هذه القسوة باللين، وبفك القيود والحصار عنها، وإنهاء التقليد الذي فرضه، وذلك لحرص القرشيين على جمع الأموال، والوصول إلى السلطة، وهو ما أثبتته التطورات اللاحقة.

ويبدو أن هذه العلاقة الحذرة بين عمر، وقريش ليست جديدة، بل كانت موجودة من قبل، فقد خشي أهل الشام، وأعني وجوه الناس من قريش الذين استقروا في هذا البلد، حين سمعوا بمرض أبي بكر، أن يستخلف عمر؛ لأن عمر ليس لهم بصاحب وهو يرون خلعه، فأرسلوا رسولًا لاستطلاع الأمر٦.

والواقع أن عمر كان له رأي خاص في انتشار قريش في الأمصار، وتكديس


١ البلاذري: ج١٠ ص٤٣٢.
٢ تاريخ اليعقوبي: ج٢ ص٥٤.
٣ ملحم: ص١٠٨.
٤ المرجع نفسه.
٥ البلاذري: ج١٠ ص٤٣٣.
٦ ابن قتيبة: ج١ ص٢٣.

<<  <   >  >>