للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرشيين للأموال، وذلك من خلال أن هذا التطور سوف يبعد هؤلاء عن الأجواء الأولى لظهور الإسلام١، لذلك ضيق على المهاجرين بخاصة، وعلى قريش بعامة وحصرهم في المدينة، ومنعهم من التنعم بثمار الفتوح، مما دفع القرشيين إلى بذل جهود حثيثة بعد وفاته كي يصل إلى منصب الخلافة شخص مغاير لتفكير عمر، وقد نجحوا في ذلك، فكان اختيار عثمان الذي انتهج سياسة حياتية، واجتماعية استهدفت النزوع نحو الانفراج من واقع البيئة الجديدة التي أفرزتها الفتوح، ولهذا كان نهجه المرن، والمتحرر متوافقًا مع تطلعات القرشيين، ومقرونًا بها٢.

إذن لم تكن القضية تعديلًا جزئيًا ناتجًا عن اجتهاد عثمان، بل كانت قضية نموذج سياسي وقيادي، قدمه الخليفة لإعادة صياغة وظيفة الخلافة، ومحاولة فك ارتهانها بسلوك القبائل، وذلك بالارتباط الوثيق مع اتجاهات التطور الاجتماعي داخل الأمة الإسلامية التي أوصلته عمليًا للخلافة٣.

فلما ولي عثمان أذن لكبار الصحابة بالخروج إلى أي مكان يريدون، فانتشروا في الأمصار، واتصلوا بالقوى العسكرية، وبأهل البلاد الوطنيين، وجمعوا الثروات، وكدسوا الأموال من خلال امتلاكهم الضياع، وأشادوا القصور، وشكلوا طبقة غنية مترفهة، والتف المسلمون حولهم بوصفهم زعامات دينية ساعدت النبي ونصرته، وأنشأوا لأنفسهم عصابات بما كانوا يضفونه على أتباعهم من هبات وأعطيات، فعظمت مراكزهم، وكثر أتباعهم والموالون لهم حتى أضحى كل فريق منهم يتمنى أن تصير الخلافة في يد صاحبه لتكون لهم الحظوة عنده٤.

واتخذ عثمان قرارًا في عام "٣٠هـ/ ٦٥٠م" يتوافق مع توجهاته سمح بموجبه بحرية تبادل، وبيع الأراضي بصورة شخصية٥، والواضح أنه رأى أن أهل المدينة الذين شاركوا في المعارك الكبرى كالقادسية كان لهم الحق بنصيب من تلك الأراضي المفتوحة، وبما أنهم كانوا يقيمون في الحجاز، فقد أجاز لهؤلاء ممن كانت لهم أرض في الجزيرة العربية، أي في الحجاز، واليمن وحضرموت، بمقايضتها بنصيب أهل المدينة من أراضي الفيء في العراق كما أجاز بيع الأسهم من الفتوح.

وهكذا سيكون لهؤلاء مقابل اشتراكهم في حروب الفتوح أراض تقع في الجزيرة العربية، وبالمقابل سيحصل آخرون على أرض في سواد العراق بدلًا من ممتلكاتهم


١ إبراهيم: ص٢٣٢.
٢ المرجع نفسه: ص٢٣٣.
٣ المرجع نفسه: ص٢٣٣، ٢٣٤.
٤ الطبري: ج٤ ص٣٩٨.
٥ المصدر نفسه: ص٢٨٠، ٢٨١.

<<  <   >  >>