والواضح أن الطبري، هدف من خلال رواية سيف أن يبرز الدور الكبير الذي أداه ابن سبأ في أحداث الفتنة، ويؤكد كل مسئولية جهة خارجية، يهودية بالتحديد، عن مقتل عثمان، ويبرئ الصحابة، وأهل المدينة من تلك المسئولية، واعتمدت المصادر التي أوردت دور ابن سبأ في أحداث الفتنة على ما رواه مؤرخنا.
لم يرد عند أحد من أصحاب المغازي، والإخباريين المتقدمين، وغيرهم من مؤرخي القرنين الثالث والرابع الهجريين، أي ذكر لدور ابن سبأ على الرغم من تناول العديد من المصارد الأدبية، والتاريخية وكتب الفرق والأنساب، إشارات مختلفة، ومتضاربة حول اسمه ونسبه، وعقيدته ومصيره، في حين اكتفى بعضها بإيراد لفظة السبئية دون أن تقدم تفسيرًا واضحًا لها، أو تعطي أي معلومات تذكر عن دور ابن سبأ في الفتنة، ومقتل عثمان وأحداث الجمل بعد ذلك. ومن جانب آخر لم تحفظ كتب التراجم أي معلومات عن رواة السبئية الأمر الذي أدى إلى اختلاف الدراسات الحديثة في درجة تقييمها للدور الذي تنسبه المصادر للسبئية في الفتنة١.
فشكك بعض المؤرخين، ومعظمهم من الشيعة، في وجود شخصية ابن سبأ، وبالتالي في الدور المنسوب إليه من واقع أن أفكاره هي موضوعات للتشيع العقائدي الذي سيتبلور في المستقبل، ومن الصعب التصور بأنه جرى تداولها في تلك المرحلة المبكرة من عمر المجتمع الإسلامي، على الرغم من اختلاف المؤخرين حول بداية تاريخ التشيع الإسلامي، ويظهر النقد الذي أثير حول وجود هذا الشخص أنه استباق للأحداث، وأنه صورة وهمية تخيلها مؤرخو القرن الثاني للهجرة من أوضاعهم، وأفكارهم السائدة حينئذ، وأن مؤامرة مثل هذه، وبهذا التفكير وهذا التنظيم، لا يمكن أن يتصورها العالم الإسلامي المعروف آنذاك بنظامه القبلي، وأنها تعكس أحوال العصر العباسي الأول بجلاء، وأن التشيع، كعقيدة منظمة، لها آراء كلامية لا يمكن أن تصدر إلا بعد أن توالت أحداث هامة مثل مقتل علي ومأساة كربلاء، كما أن رواية سيف محاطة بكثير من المحاذير، والتساؤلات مثل إملاء ابن سبأ مواقفه على أبي ذر وتأثره به، في حين كان هذا الصحابي رجلًا شديد الاعتداد برأيه، فقيهًا عالما بقواعد الإسلام، فهل يعقل أن يأخذ عن ابن سبأ، وهو رجل حديث العهد بالإسلام لم يشتهر بعلم، أو مال أو منصب، ثم إن آراء هذا الصحابي، المتعلقة بكنز الذهب، والفضة والمال، سبقت لقاءه مع ابن سبأ كما ورد عند الطبري، وسبقت.