للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المدافعين عن الجمل حتى حملت الوقعة اسم وقعة الجمل.

وعندما تحول القتال إلى مجزرة حقيقة، أمر علي على أحد رجاله بعقر الدابة، فهوت على الأرض، ومن اللافت أن يتوقف القتال فور وقوع الجمل أرضًا وأعطي البصريون الأمان١، والواقع أن الوقعة لم تتوقف لتوقف المقاتلين بل؛ لأن الرمز قد هوى، وكأن القتال لم يكن دائرًا لقتل عائشة ذاتها أو دافعًا عنها، بل؛ لأن الجمل الذي كان يحملها هي وما تمثل من قداسة وقضية٢، وعندما أصيب

الجمل توقف كل شيء، وطرح الهودج أرضًا وسط أعداد هائلة من القتلى في عدادهم مشاهير من الكوفة، والبصرة وأشراف قرشيون، مما أدى إلى ضرب الجبهة القرشية التي شكلت توازنًا سياسيًا بين العرب، والمسلمين في ذلك

الوقت٣، كما تعرض الأزديون والضبيون لمجزرة حقيقية، وكانوا من أشد المدافعين عن الجمل٤، وجرت المعركة في "١٠ جمادى الثانية ٣٦هـ/ ٤ كانون الأول ٦٥٦م".

ذيول الوقعة:

سيطر علي على البصرة بعد انتهاء الوقعة، وبايعه البصريون طائعين بعد أن عفا عنهم، فكانت كل قبيلة تبايع وهي ترفع رايتها٥، ويبدو أنهم اعتقدوا بأنهم أدوا واجبهم تجاه دم عثمان، وفي سبيل الدفاع عن عائشة أم المؤمنين، وأنه أضحى من واجبهم الآن العودة إلى النظام، وقد ساعدهم سلوك على تجاههم.

وسامح علي كل الذين رفعوا السلاح في وجهه، وأظهر رغبة عميقة وصادقة في تضميد الجراح، وفي إعادة تجميع جسم الأمة الجريح، فحرص على عدم معاملتهم بمثل ما عاملوه به، ولهذا فقد أمر قواته بعدم مطاردة أي مدبر، وأن لا يجهزوا على جريح، ولا يدخلوا الدور، وأعلن أنه من أغلق بابه، فهو آمن، وندب الناس إلى موتاهم فخرجوا إليهم ودفنوهم، وطاف معهم في القتلى، وتألم لمقتلهم، وأقام الصلاة المزدوجة على الموتى من البصريين، وعلى الموتى من الكوفيين، وكذلك على القتلى من المكيين والمدنيين، ولم يرم أعداءه بالكفر، سيقول دائمًا إنهم مسلمون، وإن الله حرم سلبهم واسترقاقهم وإذلالهم، والنيل من شرفهم ومنزلتهم٦، وأقام في معسكره ثلاثة أيام لا يدخل البصرة٦، وترحم على الزبير، وبشر قاتله


١ الطبري: ج٤ ص٥١٩-٥٣١.
٢ بيضون: ص٦٨، ٦٩.
٣ تاريخ خليفة بن خياط: ص١١٣-١١٥، الطبري: ج٤ ص٥٢٢، ٥٢٣.
٤ الطبري: المصدر نفسه: ص٥٤١.
٥ المصدر نفسه: ص٥٣٨، ٥٣٩، ٥٤١.
٦ المصدر نفسه: ص٥٣٨.

<<  <   >  >>