للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالنار١، ودعا الله أن يجمعه بطلحة يوم القيامة في الجنة٢، ثم اجتمع بعائشة في دار عبد الله بن خلف الخزاعي، حيث نقلت بعد انتهاء الوقعة، وجرى بينهما حوار هادئ هو أقرب إلى الاستعتاب، فذكرها بأنها قد نهيت عن المسير إلى هذا المصير، فطلبت منه أن يصفح عنها، وأثنت عليه بسبب موقفه المتسامح معها ومع أنصارها، وعدت خلافها معه على أنه قدر مقدر أساسه مجرد استعتاب هدفت منه العمل على إعادة وحدة المسلمين بعد مقتل عثمان، إلا أن هذا الخلاف تطور رغمًا عنها حتى وصل إلى المواجهة المسلحة، ونفت أن يكون الصراع المسلح في وقعة الجمل هو تصفية خلافات قديمة بينهما، وتمنت لو استطاعت تجنبه، واتهمت طلحة والزبير بإخراجها من بيتها، وأبدت ندمها على خروجها من منزلها٣، ثم سيرها إلى المدينة يوم السبت لغرة رجب في جماعة من نساء أهل البصرة المعروفات لمؤانستها في الطريق، وجعل في صحبتها أخاها محمد بن أبي بكر، كما أرسل معها بنيه لحراستها حتى خرجت من البصرة مسيرة يوم، وزاد في تكريمها بأن خرج بنفسه مودعًا حتى خرجت من البصرة مسيرة يوم، وزاد في تكريمها بأن خرج بنفسه مودعًا، وشيعها عدة أميال، وقد أعلنت يوم انطلاقها أنه ليس بينها وبين علي فيما كان إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وأضافت: "إنه عندي على معتبتي لمن الأخيار"، فأجابها علي: "صدقت والله وبرت، وإنه ما كان بينهما إلا ذلك، وإنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة"٤، واعتزلت السياسة بقية حياتها، وكرست نفسها للعبادة.

هل لنا أن نصدر حكمًا ونحدد المسئولية في وقعة الجمل، حيث التقى المسلمون بسيوفهم فيها ضد بعضهم البعض؟ فقد التزم رجال الدين بالصمت، وآثروا العافية، وابتعد أهل السنة عن إبداء رأي صريح لاعتقادهم بأن الصحابة جميعًا ناجون، وليس لهم الحق في أن يحكموا على أحد الفريقين بالمسئولية أو الخطأ، وألقى الشيعة المسئولية الكاملة على عائشة وطلحة، والزبير ولكنهم لم يفندوا الأسباب التي استندوا إليها في حكمهم، وغالى الخوراج في حكمهم، فكفروا طلحة والزبير وأتباعهما، والمعروف أنه ليس لمؤمن أن يكفر مؤمنًا، ولا يحكم عليه بالكفر، وخطأ المعتزلة أحد الفريقين لدرجة تصل به إلى الفسق، ولكنهم لم يحددوا الفريق الذي تقع عليه المسئولية٥.


١ الطبري: ج٤ ص٥١٠.
٢ ابن قتيبة: ج١ ص٦٩.
٣ المصدر نفسه: ص٦٨، ٦٩. البلاذري: ج٣ ص٥٩، ٦٠. الطبري: ج٤ ص٥٣٩، ٥٤٠.
٤ الطبري: المصدر نفسه: ص٥٤٤.
٥ الشهرستاني، أبو الفتح محمد عبد الكريم: الملل والنحل ج١ ص٤٩-١١٤.

<<  <   >  >>