للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتباينت أحكام المؤرخين وفقًا لتعاطفهم مع هذا الفريق أو ذاك، فألقى بعضهم المسئولية على عائشة مبررين حكمهم في ذلك بأنها عارضت عثمان عندما اتضح لها أن سياسته لا ترضي عامة المسلمين، وعندما آلت الخلافة إلى علي، انقلبت عليه بما حملته في نفسها بسبب موقفه السلبي منها في حادثة الإفك، وقوله للنبي: "تزوج غيرها، فالنساء كثير"، وعدم دفاعه عنها، وحمل البعض الآخر طلحة والزبير المسئولية؛ لأنهما دفعًا الناس دفعًا إلى أتون هذا الحرب، وهما اللذان حرضًا عائشة على الخروج إلى البصرة، ولولا تحريضهما لما خرجت، ورأى فريق ثالث أن الزبير هو المسئول المباشر عن هذه الحرب، وقد استتر وراء الثلاثة الكبار ليحقق طموحه في اعتلاء منصب الخلافة، فاستغل خالته عائشة، ودفعها لخوض هذه الحرب ضد علي حتى تخلو له الساحة السياسية.

والواضح أن قتلة عثمان يتحملون المسئولية المباشرة عن اندلاع هذه الحرب التي انخرطت فيها كافة الأطراف، عن وعي أو بدون وعي، كما أن قريشًا تتحمل مسئولية أدبية بفعل أنها انصرفت عن علي، فتركهم وذهب إلى الكوفة محاولًا أن يجد في قبائل اليمن المستقرة فيها السند البديل١، وأدت عصبية العشيرة دورًا في إذكاء روح الصراع، وقد انتعشت مجددًا في عهد عثمان من واقع ارتكاز هذا الخليفة عليها، "واستفزت عصبيات القبائل في الأمصار حين واجهت هذه طريقتها بمثلها في الاحتجاج أولًا، ثم في التطرف الذي هيأ الأجواء لقتله بصورة مألوفة من قبل هذه القبائل، وإذا كان بمقدور على ضبط هذه العصبية مرة أخرى قبل وقعة الجمل، فإنه أضحى عاجزا عن ذلك بعدها، لا سيما وأن خصومه لم يترددوا عن استخدامها كورقة أساسية لتعزيز موقعهم، واستقطاب الأنصار٢، وتصبح الصورة أكثر وضوحًا في هذا السياق حين نتوقف عند أسماء القتلى الذين سقطوا في وقعة الجمل، وقد بلغ عددهم نحو عشرة آلاف، مصنفين على أساس انتماءاتهم القبلية، نصفهم من أتباع علي، ونصفهم من أنصار عائشة، من الأزد ألفان ومن سائر اليمن خمسمائة، ومن مصر ألفان، وخمسمائة من قيس، وخمسمائة من تميم، وألف من بني ضبة، وخمسمائة من بكر بن وائل ... وقتل من بني عدي يومئذ سبعون شيخًا، كلهم قد قرأ القرآن، سوى الشباب، ومن لم يقرأ القرآن٣.


١ الشامي: ص٣٤٣-٣٤٧.
٢ بيضون: ص٦٩، ٧٠.
٣ تاريخ خليفة بن خياط: ص١١٣، ١١٤. الطبري: ج٤ ص٥٤٤.

<<  <   >  >>