للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قاسية، وتكبد الطرفان خسائر فادحة مما دفعهما إلى التفاهم، وتبادل الأسرى١ ونتيجة لهذا الفضل انفصل مالك بن نويرة عنها.

سمعت سجاح بعد فشلها في إخضاع الرباب إلى مهاجمة المدينة، ودعت قومها بني يربوع إلى مساندتها، فطلبوا منها أن تؤلف بطون تميم إلى دينها قبل الزحف نحو الحجاز لمحاربة المسلمين، فلم يتفق بنو تميم على رأي واحد، عندئذ خرجت بجندها حتى بلغت النباج٢، فتصدى لها أوس بن خزيمة الهجيمي وهزمها، ومنع جندها من المرور في أراضيه، ثم تحاجز الفريقان، واتفقا على تبادل الأسرى على أن تنصرف عنهم، ولا تتخذ طريقًا إلى المدينة إلا من ورائهم٣.

ولما رأيت إحجامًا من قومها، التفت نحو اليمامة حيث كان مسيلمة الكذاب يتخفز كذلك للخروج على الإسلام، وانتشرت أخبار دعوته في الجزيرة العربية، إلا أنه وجد نفسه في وضع حرج، فقد خشي أن تشغله سجاح عن قتال أبي بكر في الوقت الذي كان يترقب فيه زحف المسلمين إليه، كما كان يتعرض لضغط القبائل المجاورة، لذلك عرض عليها التفاهم، والتعاضد ما دام هدفهما واحدًا، وهو الزحف نحو المحجاز، وأسفرت المفاوضات التي جرت بينهما عن النتائج التالية:

- التقارب الأسري بالزواج.

- دمج قدراتهما لمواجهة المسلمين، والسيطرة على الجزيرة العربية.

- يؤدي مسيلمة لسجاح نصف غلات اليمامة٤.

وفعلًا ثم الزواج بينهما، وأقامت سجاح مع مسيلمة مدة ثلاثة أيام٥ عادت بعدها إلى قومها في أرض الجزيرة دون سبب ظاهر، حاملة معها شطر النصف مما اتفقا عليه، وتركت وراءها ممثليها مع مسيلة ممن سيحملون لها النصف الآخر، وأقبلت في غضون ذلك الجيوش الإسلامية، فاجتاحت اليمامة، وقتلت مسيلمة.

وظلت سجاح في بني تغلب تعيش مغمورة بين أهلها، ثم دخلت في الإسلام عندما انتهى رأي أسرتها إلى الاستقرار في البصرة التي غدت المركز الأول لبني تميم في عهد بني أمية، وعاشت مسلمة، وماتت في سنة "٥٥هـ/ ٦٧٥م"٦.

قد يبدو للوهلة الأولى أن سجاح كانت مدفوعة بحميتها الدينية لمحاربة المسلمين،


١ الطبري: ج٣ ص١١٥، ٢٧٠، ٢٧١.
٢ النباج: موضع بين البصرة ومكة، الحموي: ج٥ ص٢٥٥، ٢٥٦.
٣ الطبري: ج٣ ص٢٧١.
٤ المصدر نفسه: ص٢٧٣- ٢٧٥.
٥ البلخي: ج٢ ص١٩٨.
٦ الطبري: ج٣ ص٢٧٥.

<<  <   >  >>